بشرعية أغلب السلطات السياسية التي قامت على طول التاريخ الإسلامي فإن رد فعل تلك السلطات كان مماثلا وزيادة بعض الشئ. فشوهت أفكار الفرق المعارضة وحرفت عقائدها وقتل دعاتها ورجالات دعوتها وأرباب مدارسها. ولم يسمح لها بنشر مذاهبها إلا بطرق سرية وخفية. لذلك لم تعرف حقيقة الكثير من المدارس الكلامية إلا بعد فترة طويلة من انتهاء هذا الصراع.
ولكن هذا النمو في الظل والخفاء لبعض الفرق، قد جعل قطاعات واسعة لا تعرف عنها شيئا، ولما كانت تظهر على الساحة بعض عقائدها وأفكارها بين الحين والآخر، كانت تلقى استهجانا ونفورا من الأغلبية، عامة وعلماء، وهكذا بدأ عصر النهضة العربية والإسلامية في العصور الحديثة بالتنقيب في التراث ومحاولة بعثه ودراسته وتحقيقه بطرق علمية موضوعية إلى حد ما، فتم اكتشاف كتب جل الفرق، خصوصا التي قاومت الزمن وسجل لها حضور في العصر الحاضر. وبذلك بدأت مرحلة التعرف الحقيقي على آراء القوم ومعتقداتهم من كتبهم الخاصة وتراثهم المتميز وأقوال علمائهم. وإذا اشتكى بعض الفرق اليوم من أن - الآخر - الخصم قد جنى عليه وشوه أفكاره، فإن فرقة الإمامية الاثنا عشرية من دون الفرق الشيعية الأخرى قد خصها - الآخر - الخصم بالنصيب الأكبر من التشويه والتحريف والتحامل، وليس السبب في ذلك سوى تاريخ هذه الفرقة التي عاشت بموازات السلطات السياسية المتعاقبة على الحكم الإسلامي.
فلم يسجل التاريخ انتصارا سياسيا لهذه الفرقة بالذات - إلا ما كان من تبني الدولة الصفوية للتشيع الإمامي (109) - انتصارا يجعل العالم الإسلامي