من طرف السلطات السياسية المتتالية، أعطيت لها بجانب اجتهادات الأئمة الأربعة في الفقه، الشرعية الكاملة. وهكذا انتشرت آراء مدرستي الأشعري والماتريدي في العقائد معضدة بالمذاهب الفقهية المشهورة. حيث أصبح إسلام الجمهور الأعم من المسلمين موسوما ومرتبطا بآراء هذه المدارس في الفقه والأصول، ولم تكن الظروف الموضوعية لتتيح نشر غيرها أو الدعوة إليه، بل اعتبر ذلك شذوذا وخروجا على عقائد الجمهور وديانتهم بل تعدى الانتصار لآراء هذه المدارس، إلى وصم من يخالفها بالكفر والخروج عن الإسلام ومحاربة المسلمين ونقض بيضة الإسلام، لذلك نجد المقريزي في خططه بعدما تعرض لانتشار المذهب الأشعري " أهل السنة " في العقائد واعتناق الأغلبية له.
يؤكد على أن من خالف ذلك أريق دمه.
كما اكتفى في الفقه بآراء واجتهاد الأئمة الأربعة ومن تبعهم من الفقهاء وحجب ما دون ذلك. وإن كان قد سمع بما سمي الاجتهاد الجزئي المحدود، أي الاجتهاد داخل المذهب. فالغزالي مجتهد لكنه ظل شافعيا في تقليده الفقهي العام. وكذلك غيره من مجتهدي المذاهب الأخرى.
المهم هو أن السلطات السياسية الحاكمة للمجتمع الإسلامي، خصوصا مع بداية القرن الرابع قد أضفت الشرعية المطلوبة على بعض المدارس الأصولية والفقهية. وتلقاها عامة الجمهور بالقبول وأضفوا عليها مع مرور الزمن القداسة والاحترام، حتى أضحت تمثل الإسلام في شكله ومضمونه، وعد الخارج عنها مارقا عن الإسلام، كافرا ضالا وفي أحسن الظروف مبتدعا، لذلك أحلوا دمه ماله.
في المقابل عاشت فرق ومذاهب أخرى في الظل، ليس فقط لشذوذها الفكري أو العقائدي، وركبوها الغلو الذي تنفر منه فطرة أغلبية الناس. ولكن لمعاداتها السلطات السياسية القائمة. وأفضل مثال على ذلك الفرق الشيعية بعامة والإمامية الاثنا عشرية بخاصة، فإذا كانت هذه الفرق لم تعترف