الخليفة الثالث، وقتل الإمام علي على يد الخوارج، وحارب معاوية وهو صحابي - كما يعتبره السلفية - الإمام الشرعي، واغتصب الخلافة من ابنه الحسن. وسفكت الدماء أنهارا، وهتكت الأعراض، ونهبت الأموال بسبب ذلك. وقتل معاوية بن أبي سفيان الحسن بن علي، وعددا من كبار الصحابة كحجر بن عدي. وقتل ابنه يزيد بن معاوية الحسين بن علي، وسبى أهله. وتوالى القتل والنهب والتشريد والظلم الفظيع بعد ذلك على يد ملوك بني أمية وأمرائهم. فغزيت مدينة رسول الله واستباحها الجيش الأموي ثلاثة أيام، قتل فيها عدد من الصحابة والتابعين، وولدت نساؤهم وبناتهم من الزنا. حيث هتكت أعراض الكثيرات منهن. كما هدمت الكعبة. وغير ذلك من الأحداث الجسام، التي سطرها التاريخ ونسبها لهذه الفترة التي يقول فيها الحديث المروى عن الرسول (ص) خير القرون قرني ثم الذي يليه، ثم الذي يليه؟!.
إن اعتبار السلف الواجب الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم هم من عايش هذه الفترة. لا يستقيم إلا بالانتقاء الشديد والخاص، يغدو معه مفهوم " السلف " ضيقا جدا ومنحصرا في عدة أسماء، لا يقبل به من يدعو نفسه اليوم أو في الماضي بأنه من أتباع السلف، أو من حاول إعطاء " السلف " مفهوما مرتبطا بحقبة زمنية أعطيت ميزة الأفضلية والخيرية لمن عايشها أو وجد حيا أثناءها، لقد ماجت القرون الثلاث الأولى بفرق ومذاهب كفرت بعضها بعضا واستحل كل فريق دم ومال وعرض الآخر، وادعت كل فرقة أنها على ما كان عليه الرسول (ص) وأصحابه (19)، وأن غيرها منحرف ضال.
لذلك نرى أن عددا من التعاريف التي ذكرناها لتحديد مفهوم " السلفية " و " السلف " لا تستقيم بحال. نذكر منها على سبيل المثال - وإن كنا سنفصل في هذه المواضيع وغيرها في البحوث القادمة، إن شاء الله.