تحتها جبة صوف بيضاء، وقال، يا ثوري لبسنا هذا لله (وأشار إلى جبة الصوف) وهذا لكم (وأشار إلى الخز) فما كان له أخفيناه، وما كان لكم أبديناه (14). وفي رواية أخرى قال أخبرك إن الرسول الله (ص) كان في زمان مقفر جشب، فإذا أقبلت الدنيا فأحق بها أبرارها لا فجارها، مؤمنوها لا منافقوها ومسلموها لا كفارها " (15).
من خلال هذه المحاورة التاريخية بين اثنين من أقطاب السلف وهما الإمام الصادق وسفيان الثوري وهو من كبار الزهاد في عصره، يتبين لنا مدى التحول الذي بدأ يتجلى في الحياة الاجتماعية العامة لدى المسلمين. فلبس الخز من طرف الإمام الصادق إنما هو مسايرة لما عليه الأغلبية في لباسهم، ونحن نعلم أن من الصحابة من لم يكن يلبس إلا المرقع من خشن اللباس، وذلك للفقر الذي عاشه المسلمون الأوائل قبل الانتصار الكبير للإسلام. لذلك استنكر سفيان هذا اللباس وقال للإمام الصادق ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك.
لقد شهد عدد من المحدثين والفقهاء الاختلاف الذي سرى وتعمق في الحياة العامة للمسلمين والعرب منهم بالخصوص. وإنهم ابتدعوا كثيرا عما كان عليه السلف (والمقصود به في ذلك الزمن الصحابة) وكانت جل الملاحظات والانتقادات لا تعدو كما ذكرنا: طرائق الحياة من ملبس ومسكن، وإن كان هناك تغير وتحول إن لم نقل انحراف عقائدي تزعمه ملوك بني أمية، الذين حولوا الخلافة إلى ملك عضوض. لكن مع مرور الزمن وما عرفه المجتمع الإسلامي من أحداث جسام، خصوصا على الصعيد السياسي وما نجم عنه من تقاتل وسفك للدماء. ونشوء الفرق السياسية بادئ الأمر، والكلامية بعد ذلك، وبداية التأسيس الحضاري في مجالات العلوم الدينية والعلمية، والذي اكتمل بنيانه مع