وما أصابها من تهافت وتناقض وانتقائية يقول: " حدثني يحيى بن أيوب أملاه سنة 235 ه، حدثنا أبو حفص الأبار حدثني شيخ من قريش عن الشعبي قال:
إرجئ الأمور إلى الله ولا تكن مرجئا. وأمر بالمعروف وإنه عن المنكر ولا تكن حروريا، وأعلم أن الخير والشر من الله ولا تكن قدريا. قال يحيى بن أيوب وحدثني رجل كان إلى جنب الأبار أن الشعبي قال: مع هذا وأثبت صلاح بني هاشم ولا تكن شيعيا (24).
هذا الخليط العجيب من الأفكار والمعتقدات المتناقضة والمتضاربة يسميه الدكتور السلفي " مذهب السلف ". وإذا كان كذلك فكل الفرق والمذاهب والملل والنحل اليوم، وفي الماضي سلفيون وأتباع للسلف. وإذن لا حاجة لفرقة تدعي اليوم لنفسها أنها هي الوحيدة التي تمثل نهج السلف، وأن غيرها قد استقى تعاليمه من اليهود والنصارى والمجوس ومن الغرب والشرق؟!
إن المفهوم الاصطلاحي للسلف أو " السلفية " كتيار ظهر قديما تدعي تمثيله اليوم فرقة من المسلمين، مفهوم انتقائي محدد جدا. وهذا الإطلاق الذي ذكره الدكتور السلفي إنما هو للتمويه على العامة وأنصاف المتعلمين والمطلعين على التراث الإسلامي، ولا يثبت أمام التحليل التاريخي. وهذا ما سنحاول تبيينه للقارئ فيما بعد.
وإذا كان مذهب السلف ما كان عليه الإمام مالك فلماذا يرفض المذهب المالكي وينهى السلفيون المعاصرون عن تقليده؟! ولماذا كفر أسلافهم من " الحنابلة " فيما مضى أتباع المذهب الشافعي، وسبوا صاحبه وطعنوا في إمامته؟
ووقفوا للشوافع في الطرقات وترصدوا لهم وقتلوهم. ولماذا نهى إمام الحنابلة كما يدعون عن تقليد الشافعي وأبو حنيفة ومالك؟! وإذا لم يقلد هؤلاء الأئمة فيما اجتهدوا فيه ورأوه فماذا يبقى منهم يا ترى؟. وكيف سنتخذهم