أما أصحاب الحديث وجامعي السنن فحدث ولا حرج، فمذاهبهم الأصولية والاعتقادية بعدد الأحاديث التي رووها ودونوها في كتبهم.
ففيهم المنزهة، وفيهم المشبهة المعتدلين، والمشبهة الغلاة، وفيهم المجسمة المعتدلين والغلاة، وفيهم الجبرية والقدرية، والمرجئة بكل فرقهم والخوارج والشيعة كذلك. وانتشر بينهم التكفير والطعن على بعضهم البعض، يقول ابن قتيبة وهو محدث يصف حالهم: " وكان آخر ما وقع من الاختلاف أمرا خص بأصحاب الحديث الذين لم يزالوا بالسنة ظاهرين وبالأتباع قاهرين يداجون بكل بلد ولا يداجون ويستتر منهم بالنعل ولا يستترون، ويصدعون بحقهم الناس ولا يستغشون، لا يرتفع بالعلم إلا من رفعوا ولا يتضع فيه إلا من وضعوا ولا تسير الركبان إلا بذكر من ذكروا إلى أن كادهم الشيطان بمسألة لم يجعلها الله تعالى أصلا في الدين ولا فرعا. في جهلها سعة وفي العلم بها فضيلة، فنمى شرها وعظم شأنها. حتى فرقت جماعتهم وشتتت كلمتهم ووهنت أمرهم وأشمتت حاسديهم، وكفت عدوهم مؤنتهم بألسنتهم وعلى أيديهم فهو دائب يضحك منهم ويستهزئ بهم حين رأى بعضهم يكفر بعضا وبعضهم يلعن بعضا. ورآهم مختلفين وهم كالمتفقين ومتباينين وهم كالمجتمعين (22).
قد يتأول بعضهم هذا الاسترسال في الإكفار بأنه من قبيل كفر دون كفر، لا الكفر الناقل من الملة، وفاته أن الوارد في الأثر من كفر دون كفر هو ما يكون من قبيل كفران العشير ونكران الجميل وظاهر عدم تمشي ذلك في أمثال هذه المواضع، على أن بعضهم يصرح بأن مراده بالكفر الكفر الناقل. فهذا يقطع قول كل خطيب، وإن كان الكفر الناقل متفاوت الدركات (23). وهناك نص آخر أورده عبد الله ابن حنبل في كتابه " السنة " يلقي الضوء على عقائد أهل الحديث