يختلف مع هؤلاء في مسائل فيكفرهم، ويختلف مع الآخرين في مسائل فيبدعهم أو يتهمهم بالوقوع في الضلال أو الشرك.
لذلك فالمستشرق ماكدونالد كان مصيبا عندما وصفه بأنه عدو للحياة الروحية والتصوف على حد سواء. والغريب في الأمر بل من عجائب التاريخ إنه وجد في أتباعه من يعتبره قطبا صوفيا بل أحد العارفين بالله، وأن ما دار بينه وبين الصوفية من سجال إنما كان بسبب عرضه أقوالهم وسلوكهم على الكتاب والسنة. فقد حاول تشذيب أقوالهم وتطهير اعتقاداتهم من كل ما يخالف الكتاب والسنة، وليضع قدمهم على المحجة البيضاء. والحقيقة أن هذا الادعاء فيه الكثير من التهافت لأنه يتهم طوائف كثيرة من العلماء لقرون عدة قبل الشيخ وبعده بالجهل بالكتاب والسنة والانحراف عنهما، إلا أن جاد الزمان في القرن السابع الهجري بنبوغ الشيخ الحنبلي، هذا الرجل الذي جعل من نفسه ورأيه مقياسا يعرف به الحق من الباطل! ولكننا في الأخير سنجد أنفسنا مضطرين لتكرار قول ماكدونالد في حقه لأنه أقرب إلى واقع الأمر مما يذهب إليه هؤلاء: ف " ليس لديه من نفع لطريق الزهد أو الفلسفة أو الدين، ولم يقصد إلا نفع نفسه " (73).
إن أتباع ابن تيمية المعاصرين من السلفية الوهابية عندما يقرأون كلام شيخهم بخصوص المتصوفة وما فيه من جزم وفصل بتبديعهم أو تكفيرهم، لا يساورهم أدنى شك من أن القوم ليس لهم حظ في العلم بالكتاب والسنة، وأن قواعدهم أوهن من بيت العنكبوت. لذلك ترى الداعي السلفي لا يحدث نفسه بركوب العناء أو المشقة عندما يحاور شخصا ما ينتسب إلى إحدى الطرق الصوفية. وتراه كشيخه سريع الحكم عليهم بالضلال والابتداع وعبادة القبور.