وعليه يمكن أن يعزى أول الخلاف بين ابن تيمية الحنبلي السلفي وبين المتصوفة إلى الانتماء المذهبي الأصولي بالخصوص، فمن لم ينطلق مما يسميه ابن تيمية عقيدة الإمام أحمد أو عقائد السلف، فإنه لن يصل إلى درجة الولاية الكاملة، والتي أدعيت لبعض أهل التصوف ممن لم يعرف المذهب الحنبلي لا في الأصول ولا في الفروع كما يذهب إلى ذلك القشيري.
وعقيدة الإمام أحمد هنا أو عقائد السلف شيئا يختلف عما يعرفه أبو القاسم فهو يقول في رسالته مبررا الغرض من تأليفها: " هذا ذكر جماعة من شيوخ هذه الطائفة كان الغرض منه ذكرهم في هذا الموضع التنبيه على أنهم كانوا مجمعين على تعظيم الشريعة متصفين بسلوك طريق الرياضة متفقين على متابعة السنة غير مخلين بشئ من آداب الديانة... " (67).
إذن فرجال القشيري يعظمون الشريعة ويتبعون السنن ويتشبثون بآداب الديانة. وهذا في عرف ابن تيمية فيه من الخير والحق، لكنه لا يوصل إلى درجة الولاية الكاملة. والسبب في ذلك على ما نعتقد هو عدم أخدهم بأحد الأصول المهمة وهي اعتقاد أحمد، هذا الاعتقاد الذي يمكن أن يكون مادة خصبة لمذاهب وفرق متعددة ومتناحرة؟! وبإمكان كل فرقة أن تجد السبيل النظري والواقعي لتكفير باقي الفرق الأخرى.
الشئ الثاني الذي يعزى له خلاف ابن تيمية الحراني مع رجال التصوف هو ما اعتقده أو بالأحرى أن نقول ما ظهر في منطوق كلامهم أو كتاباتهم مما يفيد في ظاهره خلاف الشريعة وما هو معلوم من دين الإسلام بشكل عام. فعندما تعرض مثلا لنقاش مسألة الفناء الصوفي وما جاء فيه من كلام أرباب العرفان، لم يكتف بإيراد كلامهم وشرحه بل انتصر لقول بعضهم وقال أنه الحق ورد كلام آخرين مع أنه حشر نفسه في مقام القوم