إن وجود مجموعة كبيرة من فقهاء المذهب الحنبلي وعلمائه ضمن التصوف عقيدة وسلوكا، وانخراط كثير منهم في الطرق الصوفية ولبسهم الخرقة واعتكافهم في الزوايا وأضرحة الأولياء على الذكر وإقامة الحلقات الخاصة بالدعاء. كل ذلك يصب في خانة التصوف بشكل عام. فهؤلاء أتباع المذهب الحنبلي يغرفون من نفس العين التي يشرب منها ابن تيمية. بالإضافة إلى أنهم لم يشكوا لحظة في أنهم متابعون للسلف بل سلفيون أصحاب اتباع وسنة، وإن رغمت أنف الشيخ الحراني.
وعليه فكل حكم يصدر في حق المتصوفة عامة يشملهم، وكل تضليل أو تبديع أو تكفير ينالون لا محالة نصيبهم منه. بالإضافة إلى ملاحظة مهمة جدا تخص المتصوفة الذين ذكرهم الشيخ وأثنى عليهم ووصفهم بأنهم أولياء كمل وأقرب للسف والاتباع وأبعد عن الابتداع، مثل الشيخ عبد القادر السهروردي والجنيد وغيرهم. إن هؤلاء وإن لم يشتهر عنهم كلام مثل الذي اشتهر به ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، فإنهم لا يذهبون مذهب ابن تيمية في قضايا التوسل بالأنبياء والأولياء وكذا زيارة قبر الرسول والصالحين ومجمل القضايا الأخرى التي بدع الشيخ الحراني من يقوم بها بل نسبهم إلى الشرك.
إن للصوفية اعتقادا خاصا في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يختلف فيه صغيرهم عن كبيرهم. ومعلوم أن تلك القضايا وغيرها كانت إحدى أهم الأسباب التي أثارت عامة أهل التصوف على ابن تيمية، فهم كباقي أهل السنة يرون أن زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قربة من أعظم القربات، أما التوسل بذاته المقدسة لقضاء الحوائج والمهمات فإنها من عقائدهم العملية الشائعة. وعليه فالشيخ لا يختلف مع ابن عربي وابن سبعين وعمر بن الفارض لأن في كلامهم ما يفيد الكفر بل إنه يختلف مع جملة أهل التصوف سواء من مدحهم أو الذين تعرضوا لذمه ومدحه. فهو