ذلك غلو في الانتصار للنفس والرأي ليس إلا.
أما فيما يخص المصطلحات التي درج الصوفية على تداولها بينهم مثل الوجد والفناء والشهود والحضرة، والمقامات السلوكية فإن لابن تيمية تفصيل في شرح بعضها يحسبه المرء عند قراءته أحد أقطاب التصوف، بل لسان يتكلم عن حال.
يقول عن الفناء: " وهذا الفناء لا ينافيه البقاء، بل يجتمع هو والبقاء فيكون العبد فانيا عن إرادة ما سواه وإن كان شاعرا بالله وبالسوي، وترجمته: قول " لا إله إلا الله ".. والأمر الثاني: فناء القلب عن شهود ما سوى الرب، فذاك فناء عن الإرادة، وهذا فناء الشهادة.. ولكن عرض كثير من هذا لكثير من المتأخرين من هذه الأمة، كما عرض لهم عند تجلي بعض الحقائق: الموت والغشي والصياح والاضطراب، وذلك لضعف القلب عن شهود الحقائق على ما هي عليه وعن شهود التفرقة في الجمع والكثرة في الوحدة، حتى اختلفوا في إمكان ذلك...
وفي هذا الفناء قد يقول: أنا الحق أو سبحاني أو ما في الجبة إلا الله (59)، إذا فنى بمشهوده عن شهوده وبموجوده عن وجوده وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن عرفانه. كما يحكون أن رجلا كان مستغرقا في محبة آخر فوقع المحبوب في اليم فألقى الآخر نفسه خلفه، فقال: ما الذي أوقعك خلفي؟
فقال: غبت بك عني فظننت أنك أني...
وفي مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشيق الصور، وكذلك يحصل الفناء بحال خوف أو رجاء، كما يحصل بحال حب فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق ويصدر منه قول أو عمل من جنب أمور السكارى، وهي