الوقت وأثبتوا أن اعتقادهم هذا يؤدي إلى التشبيه والجسمية لا محالة، وكيف لا يؤدي إليهما، والإشارة الحسية إليه جائزة، ولذلك تصدى لهم الفقيه الحنبلي " ابن الجوزي " ونفى أن يكون ذلك مذهب السلف، ونفى أيضا أن يكون ذلك رأي " الإمام أحمد ". يقول ابن الجوزي في ذلك:
رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصح، فصنعوا كتبا شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس، فسمعوا أن الله خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجها زائدا على الذات، وفما ولهوات وأضراسا، وأضواء لوجه، ويدين وإصبعين وكفا وخنصرا وإبهاما، وصدرا وفخذا وساقين ورجلين، وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس، وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة، ولا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل. ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر من صفات الحدث. ولم يقنعوا أن يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات، ثم لما أثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة، مثل يد على نعمة وقدرة، ولا مجئ وإتيان على معنى بر ولطف.
ولا ساق على شدة، بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشئ إنما يعمل على حقيقته إن أمكن، فإن صرف صارف حمل على المجاز، ثم يتحرجون من التشبيه، ويأنفون من إضافته إليهم، ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه. وقد تبعهم خلق من العوام، وقد نصحت التابع والمتبوع، وقلت لهم يا أصحابنا، أنتم أصحاب نقل واتباع، وإمامكم الأكبر " أحمد بن حنبل " رحمه الله يقول وهو تحت السياط: كيف أقول ما لم يقل، فإياكم أن تبتدعوا من مذهبه ما ليس منه، ثم قلتم في الأحاديث، تحمل على ظاهرها، فظاهر القدم الجارحة، ومن قال استوى بذاته المقدسة فقد أجراه سبحانه مجرى الحسيات، وينبغي ألا يهمل ما يثبت به الأصل، وهو العقل، فإنا به عرفنا الله تعالى، وحكمنا له