على حق الله وما يجب له...
تطبيق وتمثيل: ولنطبق هذه المذاهب على قوله سبحانه (الرحمن على العرش استوى)... فنقول: اتفق الجميع من سلف وخلف على أن ظاهر الاستواء على العرش - وهو الجلوس عليه مع التمكن والتحيز - مستحيل، لأن الأدلة القاطعة تنزه الله عن أن يشبه خلقه أو يحتاج إلى شئ منه، سواء أكان مكانا يحل فيه أم غيره. وكذلك اتفق السلف والخلف على أن هذا الظاهر غير مراد الله قطعا، لأنه تعالى نفى عن نفسه المماثلة لخلقه وأثبت لنفسه الغنى عنهم فقال: (ليس كمثله شئ) وقال (وهو الغني الحميد) فلو أراد هذا الظاهر لكان متناقضا. ثم اختلف السلف والخلف بعد ما تقدم، فرأى السلف أن يفوضوا تعيين معنى الاستواء إلى الله، هو أعلم بما نسبه إلى نفسه وأعلم بما يليق به، ولا دليل عندهم على هذا التعيين ".
ثم ينقل مذهب الأشاعرة والمتأخرين من الخلف... ثم يقول:
" وقل مثل ذلك في نحو (ويبقى وجه ربك) (ولتصنع على عيني) (يد الله فوق أيديهم) (والسماوات مطويات بيمينه) (يخافون ربهم من فوقهم) (وجاء ربك) (وعنده مفاتح الغيب)... فالسلف: يفوضون في معانيها تفويضا مطلقا بعد تنزيه الله عن ظواهرها المستحيلة. والأشاعرة:
يفسرونها بصفات سمعية زائدة على الصفات التي تعلمها، ولكنهم يفوضون الأمر في تعيين هذه الصفات إلى الله. فهم مؤولون من وجه مفوضون من وجه.
والمتأخرون: يفسرون الوجه بالذات ولفظ (ولتصنع على عيني) بتربية موسى ملحوظا بعناية الله وجميل رعايته، ولفظ اليد بالقدرة ولفظ اليمين بالقوة. والفوقية بالعلو المعنوي دون الحسي، والمجئ في قوله (وجاء ربك) بمجئ أمره، والعندية في قوله (وعنده مفاتح الغيب) بالإحاطة والتمكن أو بمثل ذلك... ".