والتوسعة عليه، فأظهر التعفف فزادوا في الرغبة فيه، ثم شرع ينظر في كلام العلماء ويعلق في مسوداته، حتى ظن أنه صار له قوة في التصنيف والمناظرة، وأخذ يدون ويذكر أنه جاءه استفتاء من بلد كذا وليس لذلك حقيقة، فيكتب عليها صورة الجواب ويذكر ما لا ينتقد عليه، وفي بعضها ما يمكن أن ينتقد إلا أنه يشير إليه على وجه التلبيس بحيث لا يقف على مراده إلا حاذق عالم متفنن... فإذا ناظر أمكنه أن يقطع من ناظره إلا ذلك المتفنن الفطن.
ثم مع ذلك شرع يتلقى الناس بالأنس وبسط الوجه ولين الكلام ويذكر أشياء تحلو للنفس، لا سيما الألفاظ العذبة مع اشتمالها على الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، فطلبوا منه أن يذكر الناس ففعل، فطار ذكره بالعلم والتعبد والتعفف، ففزع الناس إليه بالأسئلة، فكان إذا جاءه أحد يسأله عن مسألة قال له: عاودني فيها، فإذا جاءه قال هذه مسألة مشكلة، ولكن لك عندي مخرج أقول لك بشرط فإني أتقلدها في عنقي، فيقول: أنا أوفي لك، فيقول: أن تكتم علي، فيعطيه العهود والمواثيق على ذلك، فيفتيه بما فيه فرجه، حتى صار له أتباع كثيرة يقومون بنصرته ان لو عرض له عارض.
ثم إنه علم أن ذلك لا يخلصه.. فكان إذا كان في بعض المجالس قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قد انفتقت فتوق من أنواع المفاسد يبعد ارتتاقها، ولو كان لي حكم لكنت أجعل فلانا وزيرا وفلانا محتسبا وفلانا دويدارا وفلانا أمير البلد، فيسمع أولئك وفي قلوبهم من تلك المناصب، فكانوا يقومون في نصرته.
ثم علم أن مثل هؤلاء قد لا يقدرون على مقاومة العلماء إذا قاموا في نحره، فجعل له مخلصا منهم، بأن ينظر إلى من الأمر إليه في ذلك المجلس فيقول له: ما عقيدة إمامك؟ فإذا قال كذا وكذا، قال: أشهد أنها حق وأنا مخطئ، واشهدوا أني على عقيدة إمامك. وهذا كان سبب عدم إراقة دمه، فإذا انفض المجلس أشاع