من المحرم، وقتل الخليفة المستعصم بالله. وسبب ذلك: إن وزير الخليفة مؤيد الدين ابن العلقمي كان رافضيا، وكان أهل الكرخ أيضا روافض، فجرت فتنة بين السنية والشيعة ببغداد على جاري عادتهم، فأمر أبو بكر ابن الخليفة وركن الدين الدوادار العسكر فنهبوا الكرخ وهتكوا النساء وركبوا منهن الفواحش، فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي، وكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد، وكان عسكر بغداد يبلغ مائة ألف فارس، فقطعهم المستعصم ليحمل إلى التتر متحصل اقطاعاتهم، وصار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس، وأرسل ابن العلقمي إلى التتر أخاه يستدعيهم، فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم، وخرج عسكر الخليفة لقتالهم ومقدمهم ركن الدين الدوادار، والتقوا على مرحلتين من بغداد، واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم عسكر الخليفة، ودخل بعضهم بغداد، وسار بعضهم إلى جهة الشام، ونزل هولاكو على بغداد من الجانب الشرقي، ونزل باجو - وهو مقدم كبير - في الجانب الغربي، على قرية قبالة دار الخلافة. وخرج مؤيد الدين الوزير ابن العلقمي إلى هولاكو فتوثق منه لنفسه، وعاد إلى الخليفة المستعصم وقال: إن هولاكو يبقيك في الخلافة كما فعل بسلطان الروم، ويريد أن يزوج ابنته من ابنك أبي بكر، وحسن له الخروج إلى هولاكو، فخرج إليه المستعصم في جمع من أكابر أصحابه، فأنزل في خيمته، ثم استدعى الوزير الفقهاء والأماثل، فاجتمع هناك جميع سادات بغداد والمدرسون، وكان منهم محيي الدين ابن الجوزي وأولاده، وكذلك بقي يخرج إلى التتر طائفة بعد طائفة. فلما تكاملوا قتلهم التتر عن آخرهم، ثم مدوا الجسر وعدي باجو ومن معه، وبذلوا السيف في بغداد، وهجموا دار الخلافة وقتلوا كل من كان فيها من الأشراف، ولم يسلم إلا من كان صغيرا فأخذ أسيرا، ودام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوما، ثم نودي بالأمان.
(١٨)