الملك الناصر داود في الوديعة لكفاه ذلك عارا وشنارا، والله لو كان الناصر من الشعراء وقد قصده وتردد عليه على بعد المسافة ومدحه بعدة قصائد كان يتعين عليه أن ينعم عليه بقريب من قيمة وديعته من ماله، فقد كان في أجداد المستعصم بالله من استفاد منه آحاد الشعراء أكثر من ذلك، إلى غير ذلك من الأمور التي كانت تصدر عنه، مما لا يناسب منصب الخلافة، ولم يتخلق بها الخلفاء قبله، فكانت هذه الأسباب كلها مقدمات لما أراد الله تعالى بالخليفة والعراق وأهله، وإذا أراد الله تعالى أمرا هيأ أسبابه.
واختلفوا كيف كان قتله، قيل: إن هولاكو لما ملك بغداد أمر بخنقه، وقيل:
رفس إلى أن مات، وقيل: غرق. وقيل: لف في بساط وخنق، والله أعلم بحقيقة الحال.
وكانت واقعة بغداد وقتل الخليفة من أعظم الوقائع... " (1).
وهذا الصفدي المولود سنة 696 تقريبا، والمتوفى سنة: 764، ترجم الخليفة فقال: " كان حليما، كريما، سليم الباطن، حسن الديانة، متمسكا بالسنة، ولكنه لم يكن كما كان عليه أبوه وجده من الحزم والتيقظ، وكان الدوادار والشرابي لهم الأمر، وركن إلى ابن العلقمي الوزير فأهلك الحرث والنسل، وحسن له جمع الأموال والاقتصار على بعض العساكر، وكان فيه شح وقلة معرفة وعدم تدبير.
جاء هولاكو البلاد في نحو مائتي ألف فارس، وطلب الخليفة وحده، فطلع ومعه القضاة والمدرسون والأعيان نحو سبع مائة نفس، فلما وصلوا إلى الحربية جاء الأمر بحضور الخليفة وحده ومعه سبعة عشر نفسا، فساقوا مع الخليفة