وأما ما ورد كثيرا من (أن ما كان لله فلا رجعة فيه) (1) فتوضيحه: أن المراد بقوله (عليه السلام) (ما كان لله) تارة ما وقع لله وإن أمكن أن يقع لغير الله كالبيع إذا صدر بوجه التقرب، وأخرى ما لا يقع صحيحا إلا لله لمكان اشتراطه بالقربة كالوقف على القول به، وثالثة ما لا يقع في ذاته إلا لله كالصدقة بالمعنى الأخص المقابل للوقف وللهبة، فإن التمليك الذي لم يقصد به القربة هبة لا أنه صدقة باطلة، بخلاف الوقف الذي لم يقصد به القربة فإنه وقف باطل، لا أن طبيعته وحقيقته متقومة بالقربة، فالقربة تارة شرط، وأخرى كالفصل المقوم، وثالثة لا شرط ولا فصل بل ربما تكون وربما لا تكون، وعليه فقوله (عليه السلام) (ما كان لله) لا يمكن أن يراد منه كل ما يقع لله حتى يعم البيع أيضا، ولا يراد منه ما لا يكون صحيحا إلا لله حتى يعم الوقف، بل ما كان في نفسه لله مع قطع النظر عن اتفاق خارجي أو شرط شرعي، وليس هو إلا الصدقة التي تتقوم بكونها لله، فتأمل.
وأما صغرى الدليل الثاني: فلأن الوقف وإن لزمه فك الملك إلا أنه ليس حقيقته ذلك، فإن كل نقل بيعي أو غيره يلزمه زوال ملك الناقل، بل حقيقة الوقف حبس العين المقتضي تارة لملك الموقوف عليه كما في الوقف الخاص، فإن معنى حبسها عليه باعتبار إضافة العين إليه ملكا أو اختصاصا، وقصر العين على أحد قصر ملكيتها عليه، كما أن الاختصاص المطلق هو الملك.
وأخرى لملك الانتفاع دون ملك المنافع كوقف المدرسة مثلا، فإن الطلبة يملكون الانتفاع بها، فهنا فك الملك كما في الأول، لكن ليس تمليكا للعين والمنفعة على أحد، بل قصرها على الطلبة ملكا وسلطنة على الانتفاع.
وثالثة جعل العين مسجدا والسلطنة على الانتفاع به بحكم الشارع لا بجعل الواقف، بل قيل لو وقف أرضا للصلاة فيه لا يترتب عليه أحكام المسجد، فهنا فك ملك فقط وهو لازم حبس العين بجعله مسجدا.