ومنازلكم فإنها مسامتة لرؤسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله عز وجل. ونزل الرضا عن المنبر وانصرف الناس، فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات. فجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كرامات الله. ثم برز إليهم الرضا عليه السلام، وحضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال: يا أيها الناس: اتقوا الله في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون الله عز وجل بشئ بعد الإيمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم تعبر بهم إلى جنان ربهم فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قولا ينبغي للعاقل أن يزيد في فضل الله عليه فيه أن يأمله ويعمل عليه قيل: يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل قد نجا، ولا يختم الله عمله إلا بالحسنى، وسيمحوا الله عنه السيئات ويبدلها له حسنات: إنه كان مرة يمر في طريق وعرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل. ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواة فقال له: أجزل الله لك الثواب، وأكرم لك المآب، ولا ناقشك الحساب. فهذا العبد لا يختم له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتصل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل على طاعة الله، فلم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم جماعة ذلك الرجل آخرهم واستشهد فيهم. فعظم الله تعالى البركة من البلاد بدعاء الرضا رضوان الله عليه. وقد كان للمأمون من يريد أن يكون ولي عهده دون الرضا، وحساد كانوا بحضرة المأمون للرضا عليه السلام، فقال للمأمون بعض أولئك: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون تاريخ الخلفاء في
(٨٤٧)