وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، فليس من حقه أن تسوغ للكذابين وعليه ما يكذبونه. فقال الرضا رضوان الله عليه: ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي وإن كنت لا أبغي أشرا ولا بطرا، وأما ذكرك صاحبك الذي أحلني فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق عليه السلام، وكانت حالهما ما قد عرفت. فغضب الحاجب عند ذلك فقال: يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله تعالى بمطر مقدور في وقته لا يتقدم ولا يتأخر وجعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم عليه السلام لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتته سعيا على الرؤوس وحففن وطرن بإذن الله تعالى. فإن كنت صادقا فيما توهم فأحي هاتين الصورتين وسلطهما علي فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة، فأما المطر المعتاد فلست أنت أحق بأن يكون جاء بدعوتك من غيرك الذي دعا كما دعوت!!! وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه وكانا متقابلين على المسند. فغضب علي بن موسى عليه السلام وصاح بالصورتين:
دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا. فوثب الصورتان - وقد عادتا أسدين - فتناولا الحاجب ورضضاه وتهشماه وأكلاه ولحسا دمه والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون. فلما فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السلام فقالا: يا ولي الله في أرضه ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا؟ - ويشيران إلى المأمون - فغشي على المأمون مما سمع منهما، فقال الرضا: قفا. فوقفا. ثم قال الرضا: صبوا عليه ماء ورد وطيبوه. ففعل ذلك به، وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟ قال: لا فإن لله تعالى تدبيرا هو ممضيه. فقالا: بماذا تأمرنا؟ قال: عودا إلى مقركما كما كنتما. فعادا إلى المسند وصار صورتين كما كانتا. فقال المأمون: الحمد الله الذي كفاني شر حميد ابن مهران - يعني الرجل المفترس - ثم قال للرضا عليه السلام: هذا الأمر لجدكم صلى الله عليه وسلم ثم لكم فلو شئت لنزلت لك عنه.