ولم يرخص لأحد جهلها، وهي الموجبة للحياة الحقيقية، والسعادة السرمدية، والتارك لها على شفا جرف الهلكات، وربما أحرقته نيران الشهوات.
وقد كان السلف من الحكماء يبالغون في نشرها وتدوينها، وجمعها وتبيينها، على ما أدت إليه قوة أنظارهم، وأدركوه بقرائحهم وأفكارهم، ولما جاءت الشريعة النبوية " على صادعها ألف صلاة وتحية " حثت على تحسين الأخلاق وتهذيبها، وبينت دقائقها وتفصيلها بحيث اضمحل في جنبها ما قرره أساطين الحكمة والعرفان، وغيرهم من أهل الملل والأديان، إلا أنه لما كان ما ورد منها منتشرا في موارد مختلفة، ومتفرقا في مواضع متعددة، تعسر أن يحيط به فلا بد من ضبطه في موضع واحد ليسهل تناوله للكل، فجمعت في هذا الكتاب خلاصة ما ورد من الشريعة الحقة، مع زبدة ما أورده أهل العرفان والحكمة على نهج تقربه أعين الطالبين، وتسر به أفئدة الراغبين.
ونذكر أولا بعض المقدمات النافعة في المطلوب، ثم نشير إلى أقسام الأخلاق، ومبادئها من القوى ونضبطها بأجناسها وأنواعها ونتائجها وثمراتها، ثم إلى المعالجة الكلية لذمائم الأخلاق والجزئية لكل خلق مذموم: مما له اسم مشهور، وما ينشأ عنه من الأفعال المذمومة، وفي تلوه نذكر ضده المحمود، وما يدل على فضله عقلا ونقلا، لأن العلم بفضيلة كل خلق والمداومة على آثاره أقوى علاج لإزالة ضده، ولا نتابع القوم من تقديم الرذائل بأسرها على الفضائل، بل نذكر أولا ما يتعلق بالقوة العقلية من الفضائل والرذائل على النحو المذكور، ما يتعلق بالغضبية، ثم ما يتعلق بالشهوية، ثم ما يتعلق باثنتين منها أو ثلاث، لأن ذلك أدخل في ضبط الأخلاق، ومعرفة أضدادها، والعلم بمبادئها وأجناسها، وهو من أهم الأمور لطالبي هذا الفن.
وما تعرضت لتدبير المنزل وسياسة المدن، لأن غرضنا في هذا الكتاب إنما هو مجرد إصلاح النفس، وتهذيب الأخلاق، وسميته " بجامع السعادات " ورتبته على ثلاثة أبواب.