الله ومن رحمته، والناس يبغضونه ويشمئزون منه، ولذا يحرم من يرهم وصلتهم، وكل حسن الخلق محبوب عند الله وعند الناس، فلا يزال محلا لرحمة الله وفيوضاته، ومرجعا للمؤمنين بإيصال نفعه وخيره إليهم، وإنجاح مقاصده ومطالبه منهم، ولذلك لم يبعث الله سبحانه نبيا إلا وأتم فيه هذه الفضيلة، بل هي أفضل صفات المرسلين وأشرف أعمال الصديقين، ولذا قال الله تعالى لحبيبه مثنيا عليه ومظهرا نعمته لديه:
(وإنك لعلى خلق عظيم) (33).
ولعظم شرافته بلغ رسول الله (ص) فيه ما بلغ من غايته، وتمكن على ذروته ونهايته، حتى ورد: " بينا رسول الله (ص) ذات يوم جالس في المسجد، إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم (34) فأخذت بطرف ثوبه فقام لها النبي (ص) فلم تقل شيئا ولم يقل لها النبي (ص) شيئا، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، فقام لها النبي (ص) في الرابعة، وهي خلفه، فأخذت هدبة من ثوبه ثم رجعت، فقال لها الناس: فعل الله بك وفعل! (35) حبست رسول الله ثلاث مرات لا تقولين له شيئا ولا هو يقول لك شيئا! ما كانت حاجتك إليه؟ قالت: إن لنا مريضا فأرسلني أهلي لأخذ هدبة من ثوبه يستشفى (36) بها، فلما أردت أخذها رآني فقام، استحييت أن آخذها وهو يراني، وأكره أن أستأمره في أخذها، فأخذتها " (37).