كنتما أخطأتما فقد أصبتما، وأنتما اليوم خير منكما أمس. فقال مروان: أما أنا فهواي الشام، وهواكما البصرة، وأنا معكم وإن كانت الهلكة. فقال سعيد بن العاصي: أما أنا فراجع إلى منزلي. فلما استقام أمرهم، واجتمعت كلمتهم على المسير، قال طلحة للزبير: إنه ليس شئ أنفع ولا أبلغ في استمالة أهواء الناس من أن نشخص لعبد الله بن عمر، فأتياه فقالا: يا أبا عبد الرحمن، إن أمنا عائشة خفت لهذا الأمر، رجاء الاصلاح بين الناس، فاشخص معنا، فإن لك بها (1) أسوة، فإن بايعنا الناس فأنت أحق بها. فقال ابن عمر: أيها الشيخان، أتريدان أن تخرجاني من بيتي (2)، ثم تلقياني بين مخالب ابن أبي طالب؟ إن الناس إنما يخدعون بالدينار والدرهم. وإني قد تركت هذا الأمر عيانا في عافية أنالها.
فانصرفا عنه. وقدم يعلى بن منبه عليهم من اليمن، وكان عاملا لعثمان، فأخرج أربع مئة بعير (3)، ودعا إلى الحملان، فقال الزبير: دعنا من إبلك هذه، وأقرضنا من هذا المال، فأقرض الزبير ستين ألفا، وأقرض طلحة أربعين ألفا، ثم سار القوم، فقال الزبير: الشام بها الرجال والأموال، وعليها معاوية، وهو ابن عم الرجل، ومتى نجتمع يولنا عليه، وقال عبد الله بن عامر: البصرة، فإن غلبتم عليا فلكم الشام، وإن غلبكم علي كان معاوية لكن جنة، وهذه كتب أهل البصرة إلي، فقال يعلى بن منبه، وكان داهيا: أيها الشيخان، قدرا قبل أن ترحلا أن معاوية قد سبقكم إلى الشام وفيها الجماعة، وأنت تقدمون عليه غدا في فرقة وهو ابن عم عثمان دونكم، أرأيتم إن دفعكم عن الشام، أو قال: اجعلها شورى، ما أنتم صانعون؟ أتقاتلونه أم تجعلونها شورى فتخرجا منها؟ وأقبح من ذلك أن تأتيا رجلا في يديه أمر قد سبقكما إليه، وتريدا أن تخرجاه منه، فقال القوم: فإلى أين؟ قال: إلى البصرة، فقال الزبير لعبد الله بن عامر: من رجال البصرة؟ قال: ثلاثة، كلهم سيد مطاع، كعب بن سور في اليمن، والمنذر بن ربيعة في ربيعة، والأحنف بن قيس في مضر. فكتب طلحة والزبير إلى كعب بن سور: أما بعد، فإنك قاضي عمر بن الخطاب، وشيخ أهل البصرة، وسيد أهل