مهارش بن مجلي (1) الندوي، وهو من بني عم قريش بن بدران، وكان رجلا فيه دين وله مروءة. فلما بلغ ذلك الخليفة دخل على قريش أن لا يخرج من بغداد فلم يفد ذلك شيئا، وسيره مع أصحابهما في هودج إلى حديثة عانة، فكان عند مهارش حولا كاملا، وليس معه أحد من أهله، فحكى عن الخليفة أنه قال: لما كنت بحديثة عانة قمت ليلة إلى الصلاة فوجدت في قلبي حلاوة المناجاة، ثم دعوت الله عز وجل بما سنح لي، ثم قلت: اللهم أعدني إلى وطني، واجمع بيني وبين أهلي وولدي، ويسر اجتماعنا، وأعد روض الانس زاهرا، وربع القرب عامرا، وفلفل العزا وبرج الجفا، قال:
فسمعت قائلا على شاطئ الفرات يقول: نعم نعم، فقلت: هذا رجل يخاطب آخر، ثم أخذت في السؤال والابتهال، فسمعت ذلك الصائح يقول: إلى الحول إلى الحول، فقلت: إنه هاتف أنطقه الله بما جرى الامر عليه، وكان كذلك، خرج من داره في ذي القعدة من هذه السنة، ورجع إليها في ذي القعدة من السنة المقبلة، وقد قال الخليفة القائم بأمر الله في مدة مقامه بالحديثة شعرا يذكر فيه حاله فمنه:
ساءت ظنوني فيمن كنت آمله * ولم يجل ذكر من واليت في خلدي تعلموا من صروف الدهر كلهم * فما أرى أحدا يحنو على أحد فما أرى من الأيام إلا موعدا * فمتى أرى ظفري بذاك الموعد يومي يمر وكلما قضيته * عللت نفسي بالحديث إلى غد أقبح بنفس تستريح إلى المنى * وعلى مطامعها تروح وتغتدي وأما البساسيري وما اعتمده في بغداد: فإنه ركب يوم عيد الأضحى وألبس الخطباء والمؤذنين البياض، وكذلك أصحابه، وعلى رأسه الألوية المصرية، وخطب للخليفة المصري، والروافض في غاية السرور، والاذان بسائر العراق بحي على خير العمل، وانتقم البساسيري من أعيان أهل بغداد انتقاما عظيما، وغرق خلقا ممن كان يعاديه، وبسط على آخرين الأرزاق ممن كان يحبه ويواليه، وأظهر العدل. ولما كان يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة أحضر إلى بين يديه الوزير ابن المسلمة الملقب رئيس الرؤساء، وعليه جبة صوف، وطرطور من لبد أحمر، وفي رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ، فأركب جملا أحمر وطيف به في البلد. وخلفه من يصفعه بقطعة جلد، وحين اجتاز بالكرخ نثروا عليه خلقان المداسات، وبصقوا في وجهه ولعنوه وسبوه، وأوقف بإزاء دار الخلافة وهو في ذلك يتلو قوله تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير) [آل عمران: 26] ثم لما فرغوا من التطواف به جئ به إلى