وذكر ابن الجوزي وغير أشياء كثيرة من شعره تدل على كفره، بل كل واحدة من هذه الأشياء تدل على كفره وزندقته وانحلاله، ويقال إنه أوصى أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبي علي * وما جنيت على أحد معناه أن أباه بتزوجه لامه أوقعه في هذه الدار، حتى صار بسبب ذلك إلى ما إليه صار، وهو لم يجن على أحد بهذه الجناية، وهذا كله كفر وإلحاد قبحه الله. وقد زعم بعضهم أنه أقلع عن هذا كله وتاب منه، وأنه قال قصيدة يعتذر فيها من ذلك كله، ويتنصل منه، وهي القصيدة التي يقول فيها:
يا من يرى مد البعوض جناحها * في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى مناط عروقها في نحرها * والمخ في تلك العظام النحل أمنن علي بتوبة تمحو بها * ما كان مني في الزمان الأول توفي في ربيع الأول من هذه السنة بمعرة النعمان، عن ست وثمانين سنة إلا أربعة عشر يوما، وقد رثاه جماعة من أصحابه وتلامذته، وأنشدت عند قبره ثمانون مرثاة، حتى قال بعضهم (1) في مرثاة له:
إن كنت لم ترق الدماء زهادة * فلقد أرقت اليوم من جفني دما قال ابن الجوزي: وهؤلاء الذين رثوه والذين اعتقدوه: إما جهال بأمره، وإما ضلال على مذهبه وطريقه. وقد رأى بعضهم في النوم رجلا ضريرا على عاتقه حيتان مدليتان على صدره، رافعتان رأسيهما إليه، وهما ينهشان من لحمه، وهو يستغيث، وقائل يقول: هذا المعري الملحد وقد ذكره ابن خلكان فرفع في نسبه على عادته في الشعراء، كما ذكرنا. وقد ذكر له من المصنفات كتبا كثيرة، وذكر أن بعضهم وقف على المجلد الأول بعد المائة من كتابه المسمى بالأيك والغصون، وهو المعروف بالهمز والردف، وأنه أخذ العربية عن أبيه واشتغل بحلب على محمد بن عبد الله بن سعد النحوي، وأخذ عنه أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، والخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي، وذكر أنه مكث خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم على طريقة الحكماء، وأنه أوصى أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبي علي * وما جنيت على أحد قال ابن خلكان: وهذا أيضا متعلق باعتقاد الحكماء، فإنهم يقولون اتخاذ الولد وإخراجه إلى هذا الوجود جناية عليه، لأنه يتعرض للحوادث والآفات. قلت: وهذا يدل على أنه لم يتغير عن