والصباغين وغير ذلك من المواضع، وهذه مصيبة أخرى إلى ما بالناس من الجوع والغلاء والفناء، ضعف الناس حتى طغت النار فعملت أعمالها، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفيها كثر العيارون ببغداد، وأخذوا الأموال جهارا، وكبسوا الدور ليلا ونهارا، وكبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة، وأحرقت كتبه ومآثره، ودفاتره التي كان يستعملها في ضلالته وبدعته، ويدعو إليها أهل ملته ونحلته، ولله الحمد. وفيها دخل الملك طغرلبك بغداد عائدا إليها من الموصل فتلقاه الناس والكبراء إلى أثناء الطريق، وأحضر له رئيس الرؤساء خلعة من الخليفة مرصعة بالجوهر فلبسها، وقبل الأرض ثم بعد ذلك دخل دار الخلافة، وقد ركب إليها فرسا من مراكب الخليفة، فلما دخل على الخليفة إذا هو على سرير طوله سبعة أذرع، وعلى كتفه البردة النبوية، وبيده القضيب، فقبل الأرض وجلس على سرير دون سرير الخليفة، ثم قال الخليفة لرئيس الرؤساء: قل له: أمير المؤمنين حامد لسعيك شاكر لفعلك، آنس بقربك، وقد ولاك جميع ما ولاه الله تعالى من بلاده، فاتق الله فيما ولاك، واجتهد في عمارة البلاد وإصلاح العباد ونشر العدل، وكف الظلم، ففسر له عميد الدولة ما قال الخليفة فقام وقبل الأرض وقال: أنا خادم أمير المؤمنين وعبده، ومتصرف على أمره ونهيه، ومتشرف بما أهلني له واستخدمني فيه، ومن الله أستمد المعونة والتوفيق. ثم أمره الخليفة أن ينهض للبس الخلعة فقام إلى بيت في ذلك البهو، فأفيض عليه سبع خلع وتاج، ثم عاد فجلس على السرير بعد ما قبل يد الخليفة، ورام تقبيل الأرض فلم يتمكن من التاج، فأخرج الخليفة سيفا فقلده إياه وخوطب بملك الشرق والغرب، وأحضرت ثلاث ألوية فعقد منها الخليفة لواء بيده، وأحضر العهد إلى الملك، وقرئ بين يديه بحضرة الملك وأوصاه الخليفة بتقوى الله والعدل في الرعية، ثم نهض فقبل يد الخليفة ثم وضعها على عينيه، ثم خرج في أبهة عظيمة إلى داره وبين يديه الحجاب والجيش بكماله، وجاء الناس للسلام عليه، وأرسل إلى الخليفة بتحف عظيمة، منها خمسون ألف دينار، وخمسون غلاما أتراكا، بمراكبهم وسلاحهم ومناطقهم، وخمسمائة ثوب أنواعا، وأعطى رئيس الرؤساء خمسة آلاف دينار، وخمسين قطعة قماش وغير ذلك.
وفيها قبض صاحب مصر على وزيره أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن البازري (1)، وأخذ خطه بثلاثة آلاف دينار، وأحيط على ثمانين من أصحابه، وقد كان هذا الوزير فقيها حنفيا، يحسن إلى أهل العلم وأهل الحرمين، وقد كان الشيخ أبو يوسف القزويني يثني عليه ويمدحه.
وممن توفي فيها من الأعيان...