له: إن كنت تريدنا نقيم بالقدس تحت حصار الفرنج، فكن أنت معنا أو بعض أهلك، حتى يكون الجيش تحت أمرك فإن الأكراد لا تطيع الترك، والترك لا تطيع الأكراد. فلما بلغه ذلك شق عليه مشقة عظيمة، وبات ليلته أجمع مهموما كئيبا يفكر فيما قالوا، ثم انجلى الامر واتفق الحال على أن يكون الملك الأمجد صاحب بعلبك مقيما عندهم نائبا عنه بالقدس، وكان ذلك نهار الجمعة، فلما حضر إلى صلاة الجمعة وأذن المؤذن للظهر قام فصلى ركعتين بين الأذانين، وسجد وابتهل إلى الله تعالى ابتهالا عظيما، وتضرع إلى ربه، وتمسكن وسأله فيما بينه وبينه كشف هذه الضائقة العظيمة.
فلما كان يوم السبت من الغد جاءت الكتب من الحرس الذين حول البلد بأن الفرنج قد اختلفوا فيما بينهم، فقال ملك الافرنسيين إنا إنما جئنا من البلاد البعيدة وأنفقنا الأموال العديدة في تخليص بين المقدس ورده إلينا، وقد بقي بيننا وبينه مرحلة، فقال الانكليز إن هذا البلد شق علينا حصاره، لان المياه حوله قد عدمت، وإلى أن يأتينا الماء من المشقة البعية يعطل الحصار، ويتلف الجيش، ثم اتفق الحال بينهم على أن حكموا منهم عليهم ثلاثمائة منهم، فردوا أمرهم إلى أنثى عشر منهم، فردوا أمرهم إلى ثلاثة منهم، فباتوا ليلتهم ينظرون ثم أصبحوا وقد حكموا عليهم بالرحيل، فلم يمكنهم مخالفتهم فسحبوا راجعين لعنهم الله أجمعين، فساروا حتى نزلوا على الرملة وقد طالت عليهم الغربة والزملة، وذلك في بكرة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، وبرز السلطان بجيشه إلى خارج القدس، وسار نحوهم خوفا أن يسيروا إلى مصر، لكثرة ما معهم من الظهر والأموال، وكان الانكليز يلهج بذلك كثيرا، فخذلهم الله عن ذلك، وترددت الرسل من الانكليز إلى السلطان في طلب الأمان ووضع الحرب بينه وبينهم ثلاث سنين، وعلى أن يعيد لهم عسقلان ويهب له كنيسة بيت المقدس وهي القمامة، وأن يمكن النصارى من زيارتها وحجها بلا شئ، فامتنع السلطان من إعادة عسقلان وأطلق لهم قمامة، وفرض على الزوار مالا يؤخذ من كل منهم، فامتنع الانكليز إلا أن تعادلهم عسقلان، ويعمر سورها كما كانت، فصمم السلطان على عدم الإجابة. ثم ركب السلطان حتى وافى يافا فحاصرها حصارا شديدا، فافتتحها وأخذوا الأمان لكبيرها وصغيرها، فبينما هم كذلك إذ أشرفت عليهم مراكب الانكليز على وجه البحر، فقويت رؤوسهم واستعصت نفوسهم فهجم اللعين فاستعاد البلد وقتل من تأخر بها من المسلمين صبرا بين يديه، وتقهقر السلطان عن منزلة الحصار إلى ما وراءها خوفا على الجيش من معرة الفرنج، فجعل ملك الانكليز يتعجب من شدة سطوة السلطان، وكيف فتح مثل هذا البلد العظيم في يومين، وغيره لا يمكنه فتحه في عامين، ولكن ما ظننت أنه مع شهامته وصرامته يتأخر من منزلته بمجرد قدومي، وأنا ومن معي لم نخرج من البحر إلا جرائد بلا سلاح، ثم ألح في طلب الصلح وأن تكون عسقلان داخلة في صلحهم، فامتنع السلطان، ثم إن السلطان كبس في تلك الليالي الانكليز وهو في سبعة عشر مقاتلا، وحوله قليل من الرجالة فأكب بجيشه حوله وحصره حصرا لم يبق معه نجاة، لو صمم معه الجيش، ولكنهم نكلوا