راحة بالنسبة إلى ما أولئك ولكن أولئك الذين كانوا بالبلد وخرجوا منه كانت لهم خبرة بالبلد بالقتال وكان لهم صبر، وجلد وقد تمونوا فيها مؤنة تكفيهم سنة، فانمحقت بسبب ذلك، وقدم بطش من مصر فيه ميرة تكفي أهل البلد سنة كاملة، فقدر الله العظيم - وله الامر من قبل ومن بعد - أنها لما توسطت البحر واقتربت من المينا هاجت عليها ريح عظيمة فانقلبت تلك البطش وتغلبت على عظمها فاختبطت واضطربت وتصادمت فتكسرت وغرقت، وغرق ما كان فيها من الميرة والبحارة، فدخل بسبب ذلك وهن عظيم على المسلمين، واشتد الامر جدا، ومرض السلطان وازداد مرضا إلى مرضه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكان ذلك عونا للعدو المخذول على أخذ البلد، ولا قوة إلا بالله، وذلك في ذي الحجة من هذه السنة، وكان المقدم على الداخلين إلى عكا الأمير سيف الدين علي بن أحمد بن المشطوب.
وفي اليوم السابع من ذي الحجة سقطت ثلمة عظيمة من سور عكا، فبادر الفرنج إليها فسبقهم المسلمون إلى سدها بصدورهم، وقاتلوا دونها بنحورهم، وما زالوا يمانعون عنها حتى بنوها أشد مما كانت، وأقوى وأحسن. ووقع في هذه السنة وباء عظيم في المسلمين والكافرين، فكان السلطان يقول في ذلك:
اقتلوني ومالكا * واقتلوا مالكا معي (1) واتفق موت ابن ملك الألمان لعنه الله في ثاني ذي الحجة، وجماعة من كبراء الكندهرية (2)، وسادات الفرنج لعنهم الله، فحزن الفرنج على ابن ملك الألمان وأوقدوا نارا عظيمة في كل خيمة، وصار كل يوم يهلك من الفرنج المائة والمائتان، واستأمن السلطان جماعة منهم من شدة ما هم فيه من الجوع والضيق والحصر، وأسلم خلق كثير منهم. وفيها قدم القاضي الفاضل من مصر على السلطان، وكان قد طال شوق كل منهما إلى صاحبه، فأفضى كل منهما إلى صاحبه ما كان يسره ويكتمه من الآراء التي فيها مصالح المسلمين.
وفيها توفي من الأعيان...