علي. ولما يئس من نفسه استدعا الامراء فحلفهم لابن عمه عز الدين مسعود صاحب الموصل، لقوة سلطانه وتمكنه، ليمنعها من صلاح الدين، وخشي أن يبايع لابن عمه الآخر عماد الدين زنكي، صاحب سنجار، وهو زوج أخته وتربية والده، فلا يمكنه حفظها من صلاح الدين فلما مات استدعى الحلبيون عز الدين مسعود بن قطب الدين، صاحب الموصل، فجاء إليهم فدخل حلب في أبهة عظيمة، وكان يوما مشهودا، وذلك في العشرين من شعبان، فتسلم خزائنها وحواصلها. وما فيها من السلاح، وكان تقي الدين عمر (1) في مدينة منبج فهرب إلى حماه فوجد أهلها قد نادوا بشعار صاحب الموصل وأطمع الحلبيون مسعودا بأخذ دمشق لغيبة صلاح الدين عنها، وأعلموه محبة أهل الشام لهذا البيت الأتابكي نور الدين، فقال لهم: بيننا وبين صلاح الدين أيمان وعهود، وأنا لا أغدر به، فأقام بحلب شهورا وتزوج بأم الملك الصالح في شوال، ثم سار إلى الرقة فنزلها وجاءه رسل أخيه عماد الدين زنكي يطلب منه أن يقايضه من حلب إلى سنجار، وألح عليه في ذلك، وتمنع أخوه ثم فعل على كره منه، فسلم إليه حلب وتسلم عز الدين سنجار والخابور والرقة ونصيبين وسروج وغير ذلك من البلاد.
ولما سمع الملك صلاح الدين بهذه الأمور ركب من الديار المصرية في عساكره فسار حتى أتى الفرات فعبرها، وخامر إليه بعض أمراء صاحب الموصل، وتقهقر صاحب الموصل عن لقائه، واستحوذ صلاح الدين على بلاد الجزيرة بكمالها، وهم بمحاصرة الموصل فلم يتفق له ذلك، ثم جاء إلى حلب فتسلمها من عماد الدين زنكي لضعفه عن ممانعتها، ولقلة ما ترك فيها عز الدين من الأسلحة وذلك في السنة الآتية.
وفيها عزم البرنس صاحب الكرك على قصد تيماء من أرض الحجاز، ليتوصل منها إلى المدينة النبوية، فجهز له صلاح الدين سرية من دمشق تكون حاجزة بينه وبين الحجاز، فصده ذلك عن قصده. وفيها ولى السلطان صلاح الدين أخاه سيف الاسلام ظهير الدين طغتكين بن أيوب نيابة اليمن، وأرسله إليها (2)، وذلك لاختلاف نوابها واضطراب أصحابها، بعد وفاة المعظم أخي السلطان، فسار إليها طغتكين فوصلها في سنة ثمان وسبعين، فسار فيها أحسن سيرة، واحتاط على أموال حطان بن منقذ صاحب زبيد، وكانت تقارب ألف ألف دينار أو أكثر، وأما نائب عدن فخر