أعطيتني ما أسالك. قال: سل. قال: الغمامة تصرفها معي - وهي كتيبة معاوية كان يقال لها: الغمامة والخضراء والشهباء - فقال [معاوية للغمامة]:
انصرفوا معه. فمال عبيد الله إلى فسطاطه ومعه امرأته بحرية بنت هانئ بن قبيصة الشيباني فدعا بدرع فظاهرها على درعه، قالت: ما هذا يا ابن عمر؟
قال: عبأني معاوية لقومك في الغمامة فما ظنك؟ قالت: ظني أنهم سيدعوني أيما منك. فلم ينشب أن قتل.
فلما كان العشي وتراجع الناس أقبلت بحرية على بغل لها وعليها خميصة سوداء ومعها غلمة لها حتى انتهت إلى ربيعة فسلمت ثم قالت: يا معشر ربيعة لا يخزي الله هذه الوجوه، فوالله ما كنت أحب أن تخزى. قالوا: من أنت؟
قالت: أنا بحرية. قالوا: بنت هانئ بن قبيصة؟ قالت: نعم. قالوا:
مرحبا وأهلا بسيدة نسائنا وابنة سيدنا ما حاجتك؟ قالت: جيفة عبيد الله بن عمر. قالوا: قد أذنا لك فيها وأشاروا إلى الناحية التي صرع فيها، وكانت الريح هاجت عليهم عند زوال الشمس فقلعت أوتاد أبنيتهم فإذا رجل من بني حنيفة قد أوثق طنبا من أطناب خبائه برجل ابن عمر، وإذا هو مسلوب فلما رأته رمت بخميصتها عليه، وأمرت غلمانها فحفروا له ثم أجنته وانصرفت وأنشدت قول كعب بن جعيل فيه:
ألا إنما تبكي العيون لفارس * بصفين أجلت خيله وهو واقف تركن عبيد الله بالقاع مسندا * تمج دما منه العروق النوازف قال أبو مخنف: لما قتل عبيد الله بن عمر بصفين كلم نساؤه معاوية في جثته فأمر فبذلت لربيعة فيها عشرة آلاف درهم، فاستأمروا عليا (1) فقال:
لا ولكن هبوها لابنة هانئ بن قبيصة. ففعلوا.