فرق ظاهر بين الأمر الحقيقي واقعا لكنه في مقام خاص كما نحن فيه وبين تخيل وجود الأمر، كجهل الموضوع وجهل الحكم حيث يكون معذورا وإن اشتبه فيه بعض الأعلام وحكم بالصحة مع الجهل حيث يكون معذورا ولو جاء بصورة مضادة لصورة الصلاة، وهو عجيب. وما يقال -: إنه في المقام قد تعارض أصالة الصحة مع أصالة بقاء يقين اشتغال الذمة بالمشروط بالطهارة، لعدم ثبوت أزيد من الاستباحة من الخبر المجوز له للضرورة، وهي تتقدر بقدرها - فيه أنك قد عرفت أن الصحة فيما نحن فيه مستفادة من ظاهر الأدلة، فلا يعارضها أصالة بقاء الشغل، وبعد التسليم فاستصحاب الصحة قاطع لأصالة الشغل، لأنه في الحقيقة استصحاب لمقطوعيته، فتأمل جيدا.
ومن العجيب ما عن الفخر (رحمه الله) في توجيه الاستئناف، قال بعد أن ذكر احتمالي رفع الحدث بهذا الوضوء وعدمه: " والأقوى عندي وجوب الاستئناف على كل حال، لأن صورة الفعل مقصودة، لأن القصد ليس رفع الحدث وحكمه خاصة، بل نفس الفعل أيضا، والضرورة أسقطته " انتهى. وهو عجيب لم يسبقه إليه أحد ولا لحقه، وفساده واضح، كما أنه في المقام كلام لبعض المتأخرين في المناقشة بجريان الاستصحاب وغيره خال عن التحصيل، ومما ذكرنا تعرف وجه الاستدلال للأول بل تعرف تسرية الكلام في غير المقام، ومما يؤيد ما اخترناه اتفاقهم على ما قيل إن من غسل رجليه عوض المسح للتقية ثم ارتفعت لم يجب إعادة الوضوء، وهما من واد واحد، قال في جامع المقاصد في شرح قول العلامة في القواعد: (ولا يجزئ الغسل عنه إلا للتقية) ما لفظه: " ولا يجب الإعادة بزوالها قولا واحدا فيما أظنه " انتهى. واحتمال الفرق بين المقام وبين الغسل للتقية - مع أنه من بعض ما نحن فيه المسح على الخف للتقية - بعيد، لكن قد يظهر من العلامة في المنتهى الفرق بينهما، حيث حكم بوجوب الاستئناف في المقام مع زوال الضرورة بخلافه مع الغسل للتقية، ولعله لأنه فهم من الأدلة كون التقية تكليفا واقعيا، بخلاف غيره فإنه عذري، وكأنه إنما فرق بين التقية أي تقية المسح