فيه. وما يتخيل أن منه قوله تعالى (1) (وحور عين) بقراءة الجر، لكونها لا يطاف بها يدفعه أنه على تقدير تسليم هذه القراءة عطف على (جنات النعيم) كأنه قال هم في جنات النعيم وفاكهة ولحم ومقاربة حور عين، أو على (أكواب) لأن معناه يتنعمون بأكواب، على أنه لا امتناع في أن يطاف بهن، فلا يعارض مثل ذلك الحمل على عطف المحل الواقع في الكلام الفصيح شعرا ونثرا، ومن هنا التجأ بعضهم إلى ارتكاب شئ آخر وهو أن المراد بالمسح هنا الغسل، لاشتماله عليه، وإنما عبر عنه بلفظ المسح تنبيها على وجوب الاقتصار في صب الماء، لكون الأرجل تغسل بالصب من بين الأعضاء فهي مظنة الاسراف، ثم جئ بقوله إلى الكعبين قرينة على إرادة الغسل، لعدم ضرب غاية للمسح في الشرع، بل هذا التحديد قرينة على عطفه على الأيدي، لاتحادهما بذلك، ويدفعه - مع أنهم لا يقولون به بالنسبة للرأس - ما تقدم لك سابقا من التباين بين الحقيقتين لغة وعرفا وشرعا، ومجرد الاشتمال عليه لا يوجب صدق الاسم عليه، وإلا لوجب صدقه على حركة اليد ونحوهما.
ثم إنه لا دليل على وجوب الاقتصار في غسل الرجلين. ولا مانع من التحديد في المسح، إذا هو كالغسل في قابليته لذلك، بل لا مانع من عطف المحدود على غير المحدود، كما في عطف الأيدي على الوجوه، بل الظاهر أنه أولى، لموافقة الجملة الثانية مع الجملة الأولى بالنسبة إلى ذلك، وعن آخرين جمل قراءة الجر على طهارة ذي الخفين، فالتزموا بالتعبير عن الخف بالرجل، وهو أشنع من الأول، ولقد أطال أصحابنا (رحمهم الله) في البحث معهم بذلك، لكنه كما قيل:
لقد أسمعت لو ناديت حيا * ولكن لا حياة لمن تنادي (ثم) إنه (يجب المسح) عندنا على ظاهر (القدمين من رؤوس الأصابع إلى