الدماء المحقونة بغير سبب معلوم أو مظنون ممنوع شرعا، لأن كل واحدة من البينتين مكذبة للأخرى، وإنما أوجبنا الدية عليهما لئلا يطل دم امرئ مسلم قد ثبت أن قاتله أحدهما، لكن لجهلنا بالتعيين أسقطنا القود الذي هو أقوى العقوبتين وأوجبنا أخفهما. ولمانع أن يمنع سقوط البينتين عند تعارضهما بعدم إمكان العمل بهما وعدم المرجح للعمل بإحداهما، بل هنا احتمال ثالث وهو تخيير الولي بينهما كما ذكروه في تعارض الإقرارين بالقتل عمدا في أحدهما وفي الثاني بالخطأ، ودل عليه النص الذي مضى مع تأيده بما عليه الأصحاب، ودل عليه بعض الأخبار، مضافا إلى الاعتبار من التخيير بين الخبرين المتعارضين مثلا بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر أصلا.
ومن جميع ما ذكر ولو بضم بعضه إلى بعضه لعله يحصل الظن بجواز قتل من شهدت عليه إحدى البينتين ممن اختاره الأولياء، فليس فيه التهجم على الدماء الممنوع عنه شرعا.
وحينئذ فلا يبعد المصير إلى ما عليه الحلي (1) من التخيير، وإن كان ما ذكره من الأدلة كلها أو جلها لا يخلو عن مناقشة، لكن شهرة ما عليه الشيخان (2)، مع قوة احتمال استنادهما إلى رواية كما هو السجية لهما والعادة، ونبه عليه شيخنا في المسالك (3)، وادعى وجودها لهما الحلي في السرائر (4) والفاضل في التحرير (5) أوجب التردد في المسألة.
فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل، وهو عدم القود، بل وعدم الدية أيضا، كما حكي عن الشيخ (رحمه الله) أنه احتمله، قال: لتكاذب البينتين، ووجود شبهة دارئة للدعوى (6).