لو ارتكب المكلف ما هو مشكوك الحرمة بالشك البدوي تمسكا بأصالة البراءة، لا مانع له بعد ذلك من تحصيل العلم بحرمة ما فعله بالسؤال من المعصوم عليه السلام، أو بالجفر والرمل وغير ذلك. هذا غاية ما قيل في وجه جواز المخالفة القطعية.
ولكنه بمعزل عن التحقيق، إذ لا يعتبر في حكم العقل بقبح المخالفة الا وصول التكليف من حيث الكبرى والصغرى. واما تمييز متعلق التكليف عن غيره فغير لازم، فإذا وصل التكيف إلى العبد من حيث الكبرى بمعنى علمه بحرمة شرب الخمر مثلا ومن حيث الصغرى بمعنى عامه بتحقق الخمر خارجا، فقد تم البيان ولا يكون العقاب على المخالفة حينئذ عقابا بلا بيان، وتردد الخمر بين مائعين لا دخل له في موضوع حكم العقل بقبح المخالفة. والشاهد هو الوجدان ومراجعة العقلاء، فانا لا نرى فرقا في الحكم بالقبح بين ما إذا عرف العبد ابن المولى بشخصه فقتله، وما إذا علمه اجمالا بين عدة أشخاص فقتلهم جميعا.
وبالجملة المعتبر في حكم العقل بقبح المخالفة هو وصول التكليف، واما تمييز المكلف به، فلا دخل له في الحكم المذكور أصلا. ولذلك لا ريب في حكم العقل بقبح المخالفة بارتكاب جميع الأطراف دفعة، كما إذا نظر إلى امرأتين يعلم بحرمة النظر إلى إحداهما مع أن متعلق التكليف غير مميز.
(اما المبحث الثاني) - فذهب صاحب الكفاية (ره) إلى امكان جعل الترخيص في جميع أطراف العلم الاجمالي، بدعوى أن الحكم الواقعي لم ينكشف به تمام الانكشاف، فمرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة، بل ادعى وقوعه كما في الشبهة غير المحصورة، وذكر انه لا مضادة بين الحكم الظاهري والواقعي، إذ لو كانت بينهما مضادة لما أمكن جعل الحكم الظاهري في الشبهات غير المحصورة بل في الشبهة البدوية، لاستلزامه احتمال الجمع بين الضدين. ومن الواضح