ثم إنه في كل مورد ثبت فيه تخصيص الحكم بالعالم به - كما في موارد وجوب الجهر والاخفات، ووجوب التقصير في الصلاة - نلتزم فيه بنتيجة التقييد، بمقتضى ما دل على كفاية الجهر في مورد الاخفات وبالعكس، مع الجهل، وكفاية التمام في موضع القصر كذلك، وكل مورد لم يثبت فيه ذلك نقول فيه بنتيجة الاطلاق، للعمومات الدالة على اشتراك العالم والجاهل في التكليف.
فتحصل أن تقييد الحكم بالقطع - الحاصل من سبب خاص أو بعدم كونه مقطوعا به من طريق خاص - مما لا مانع منه بمتمم الجعل، فالمنع عن العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنة - على هذا النحو - بمكان من الامكان، ففي مقام الثبوت لا محذور فيه، إلا أن مقام الاثبات غير تام، لعدم تمامية ما ذكره الأخباريون من الأدلة على المنع من العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنة.
وبالجملة المنع عن العمل بالقطع بهذا المعنى الراجع إلي تقييد المقطوع به ممكن، إلا أنه لم يدل على وقوعه دليل إلا في موارد قليلة، كالقطع الحاصل من القياس على ما يظهر من رواية أبان. انتهى ملخص كلامه زيد في علو مقامه.
أقول: أما ما ذكره من المقدمة الأولي فهو تام، لما عرفت في بيان اقسام القطع الموضوعي، فلا حاجة إلى الإعادة. وأما ما ذكره في المقدمة الثانية: من أن استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق، فهو غير تام لما ذكرناه في بحث التعبدي والتوصلي. وقد أشبعنا الكلام فيه هناك بما لا مزيد عليه. و (ملخصه):
أن التقابل بين التقييد والاطلاق وإن كان من تقابل العدم والملكة - كما ذكره (قدس سره) - لان الاطلاق عبارة عن عدم التقييد فيما كان قابلا له، إلا أنه لا يعتبر في تقابل العدم والملكة القابلية في كل مورد بشخصه، بل تكفى القابلية في الجملة، ألا ترى ان الانسان غير قابل للانصاف بالقدرة علي الطيران مثلا،