كون عدم التذكية ملازما للموت - لان التذكية والموت ضدان لا ثالث لهما - غير مانع عن جريانهما، فان التفكيك بين اللوازم في الأصول العملية غير عزيز كما في المتوضي بمائع مردد بين الماء والبول مثلا، فإنه محكوم بالطهارة الخبثية دون الحدثية، للاستصحاب مع وضوح الملازمة بينهما بحسب الواقع، ففي المقام يحكم بعدم جواز الاكل بمقتضى أصالة عدم التذكية وبالطهارة لأصالة عدم الموت.
ثم إن المحقق الهمداني (ره) ذهب إلى أن النجاسة مترتبة على عدم التذكية، واستدل على ذلك بما في ذيل مكاتبة الصيقل من قوله عليه السلام: (فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس) باعتبار أن مفهومه انه لو لم يكن ذكيا ففيه بأس. والمراد بالبأس النجاسة، لأنها هي المسؤول عنها في المكاتبة. والظاهر عدم دلالة المكاتبة على ذلك، وانما تدل على نفي البأس عما كان يستعمله في عمله من جلود الحمر الوحشية الذكية في قبال الميتة المذكورة في صدرها، فلا مفهوم لها، ويدل على ما ذكرناه ذكر الوحشية في الكلام، لان كون الحمار وحشيا لا دخل له في طهارة جلده يقينا.
فتحصل مما ذكرناه أن مقتضى أصالة عدم التذكية إذا جرت في مورد إنما هي حرمة أكل اللحم وعدم جواز الصلاة في جلده، وأما النجاسة فهي غير مترتبة على هذا الأصل، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة. وعلى هذا يحمل ما أفاده الشهيد (ره) من أن الأصل في اللحوم هي الحرمة والطهارة.
ثم إن صاحب الحدائق (ره) أورد على الأصوليين وتعجب منهم، حيث حكموا بحرمة اللحم المشكوك فيه تمسكا بأصالة عدم التذكية، مع أنهم يقولون بعدم جريان الأصل مع وجود الدليل والدليل على الحل موجود في المقام، وهو قوله عليه السلام:
(كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) وفساد