هذا الاحتمال مقارن لعلمه الاجمالي بالتكاليف، فلا يكون علمه منجزا لجميع أطرافه، لتنجز التكليف في بعض أطرافه بمنجز مقارن له. نظير ما لو علمنا بوقوع نجاسة في أحد الإناءين وعلمنا بنجاسة أحدهما المعين مقارنا لذلك العلم الاجمالي فإنه لا ينجز حينئذ أصلا، والسر فيه ان تنجيز العلم الاجمالي انما هو بتساقط الأصول في أطرافه للمعارضة. وفي مفروض المثال يجرى الأصل في الطرف المشكوك فيه بلا معارض ولذا ذكرنا في محله انه لو كان الأصل الجاري في بعض الأطراف مثبتا للتكليف وفي بعضها الآخر نافيا له لا يكون العلم الاجمالي منجزا.
ومما ذكرناه ظهر الحال وصحة الانحلال على القول بالسببية في باب الامارات، وأن المجعول هي الاحكام الفعلية على طبقها، فان قيام الامارة يكشف عن ثبوت الاحكام في مواردها من أول الامر. فلا يبقى اثر للعلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية مرددة بينها وبين غيرها.
والمتحصل مما ذكرناه في المقام أنه على جميع الأقوال في باب الامارات تكون أطراف العلم الاجمالي من غير مواردها موردا لأصالة البراءة. أما على القول بالطريقية، فلان العلم الاجمالي ينقلب بقاء إلى الشك الساري والعلم التفصيلي. وأما على القول بالمنجزية، فلان قيام الامارة يكشف عن تنجز التكليف في بعض الأطراف من غير جهة العلم الاجمالي في أول الامر. وأما على القول بالسببية، فلان الأمارة تكشف عن اشتمال مؤدياتها على مصلحة أو مفسدة مستلزمة لثبوت الحكم على طبقها من أول الامر.
(الوجه الثاني) - من تقريب حكم العقل ما ذكره بعضهم من أن الأصل في الافعال غير الضرورية قبل الشرع هو الحظر بحكم العقل.
وفيه (أولا) - أن أصالة الحظر ليست من الأصول المسلمة عند العقلاء فان جماعة منهم ذهبوا إلى أن الأصل في الأشياء هو الإباحة، فلا وجه للاستدلال