الانكار يفنى أشفاعتي لأهل الكبائر من أمتي كما أن المراد من قوله (هذا ربى) أي أهذا ربى، وثانيها: أن لفظ الكبيرة غير مختص لا في أصل اللغة ولا في عرف الشرع بالمعصية بل كما يتناول المعصية يتناول الطاعة قال تعالى في صفة الصلاة (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) وإذا كان كذلك فقوله لأهل الكبائر لا يجب أن يكون المراد منه أهل المعاصي الكبيرة بل لعل المراد منه أهل الطاعات الكبيرة. فان قيل: هب أن لفظ الكبيرة يتناول الطاعات والمعاصي ولكن قوله أهل الكبائر صيغة جمع مقرونة بالألف واللام فيفيد العموم فوجب أن يدل الخبر على ثبوت الشفاعة لكل من كان من أهل الكبائر سواء كان من أهل الطاعات الكبيرة أو المعاصي الكبيرة قلنا: لفظ الكبائر وإن كان العموم إلا أن لفظ أهل مفرد فلا يفيد العموم فيكفي في صدق الخبر شخص واحد من أهل الكبائر فنحمله على الشخص الآتي بكل الطاعات فإنه يكفي في العمل بمقتضى الحديث حمله عليه، وثالثها:
هب أنه يجب حمل أهل الكبائر على أهل المعاصي الكبيرة لكن أهل المعاصي الكبيرة أعم من أهل المعاصي الكبيرة بعد التوبة أو قبل التوبة فنحن نحمل الخبر على أهل المعاصي الكبيرة بعد التوبة، ويكون تأثير الشفاعة في أن يتفضل الله عليه بما انحبط من ثواب طاعته المتقدمة على فسقه سلمنا دلالة الخبر على قولكم لكنه معارض بما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال أشفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ذكره مع همزى الاستفهام على سبيل الانكار، وروى الحسن عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ما ادخرت شفاعتي إلا لأهل الكبائر من أمتي واعلم أن الانصاف أنه لا يمكن التمسك في مثل هذه المسألة بهذا الخبر وحده ولكن بمجموع الأخبار الواردة في باب الشفاعة وإن سائر الأخبار دالة على سقوط كل هذه التأويلات، الثاني: روي أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا رواه مسلم في الصحيح والاستدلال به أن الحديث صريح في أن شفاعته صلى الله عليه وسلم تنال كل مات من أمته لا يشرك بالله شيئا وصاحب الكبيرة كذلك فوجب أن تناله الشفاعة، والثالث: عن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون لم ذلك؟ قالوا لا يا رسول الله قال يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون فيقول بعض الناس لبعض ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم ألا تذهبون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيأتون آدم. فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم: إن ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته: نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى