يستطيع فعله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة. وقد وردت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من لم يستطع الصلاة قائما فغير مكلف للقيام فيها، ومن لم يستطعها قاعدا فغير مكلف للقعود بل يصليها على جنب يومئ إيماء، لأنه غير قادر عليها إلا على هذا الوجه، ونص التنزيل قد أسقط التكليف عمن لا يقدر على الفعل ولا يطيقه. وزعم قوم جهال أن نسبت إلى الله فعل السفه والعبث، فزعموا أن كل ما أمر به أحد من هل التكليف أو نهى عنه، فالمأمور به منه غير مقدور على فعله والمنهي عنه غير مقدور على تركه. وقد أكذب الله قيلهم بما نص عليه من أنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، مع ما قد دلت عليه العقول من قبح تكليف ما لا يطاق وأن العالم بالقبيح المستغنى عن فعله لا يقع منه فعل القبيح، ومما يتعلق بذلك من الأحكام سقوط الفرض عن المكلفين فيما لا تتسع له قواهم، لأن الوسع هو دون الطاقة، وأنه ليس عليهم استفراغ المجهود في أداء الفرض نحو الشيخ الكبير الذي يشق عليه الصوم ويؤديه إلى ضرر يلحقه في جسمه: وإن لم يخش الموت بفعله فليس عليه صومه لأن الله لم يكلفه إلا ما يتسع لفعله ولا يبلغ به حال الموت. وكذلك المريض الذي يخشى ضرر الصوم وضرر استعمال الماء، لأن الله قد أخبر أنه لا يكلف أحدا إلا ما اتسعت له قدرته وإمكانه دون ما يضيق عليه ويعنته، وقال الله تعالى: (ولو شاء الله لأعنتكم) [البقرة: 220] وقال في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: (عزيز عليه ما عنتم) [التوبة: 128]. فهذا حكم مستمر في سائر أوامر الله وزواجره ولزوم التكليف فيها على ما يتسع له ويقدر عليه.
قوله عز وجل: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قال أبو بكر: النسيان على وجهين، أحدهما: أنه قد يتعرض الانسان للفعل الذي يقع معه النسيان فيحسن الاعتذار به إذا وقعت منه جناية على وجه السهو. والثاني: أن يكون النسيان بمعنى ترك المأمور به لشبهة تدخل عليه أو سوء تأويل، وإن لم يكن الفعل نفسه واقعا على وجه السهو فيحسن أن يسأل الله مغفرة الأفعال الواقعة على هذا الوجه. والنسيان بمعنى الترك مشهور في اللغة، قال الله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) [التوبة: 67] يعني تركوا أمر الله تعالى فلم يستحقوا ثوابه، فأطلق اسم النسيان على الله تعالى على وجه مقابلة الاسم كقوله:
(وجزاء سيئة سيئة مثلها) [البقرة: 194] وقوله: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) [الشورى: 40] قال أبو بكر: النسيان الذي هو ضد الذكر فإن حكمه مرفوع فيما بين العبد وبين الله تعالى في استحقاق العقاب، والتكليف في مثله ساقط عنه والمؤاخذة به في الآخرة غير جائزة: لا أنه لا حكم له فيما يكلفه من العبادات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على لزوم حكم كثير منها مع النسيان، واتفقت الأمة أيضا على حكمها، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن