ولمن هو على سبيل الحق عوجا، يقول: ضلالا عن الحق وزيغا عن الاستقامة على الهدى والمحجة. والعوج بكسر أوله: الأود في الدين والكلام، والعوج بفتح أوله: الميل في الحائط والقناة وكل شئ منتصب قائم.
وأما قوله: * (وأنتم شهداء) * فإنه يعني: شهداء على أن الذي تصدون عنه من السبيل حق تعلمونه وتجدونه في كتبكم. * (وما الله بغافل عما تعلمون) * يقول: ليس الله بغافل عن أعمالكم التي تعلمونها مما لا يرضاه لعباده، وغير ذلك من أعمالكم حتى يعاجلكم بالعقوبة عليها معجلة، أو يؤخر ذلك لكم، حتى تلقوه، فيجازيكم عليها.
وقد ذكر أن هاتين الآيتين من قوله: * (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله) * والآيات بعدهما إلى قوله: * (فأولئك لهم عذاب عظيم) * نزلت في رجل من اليهود حاول الاغراء بين الحيين من الأوس والخزرج بعد الاسلام، ليراجعوا ما كانوا عليه في جاهليتهم من العداوة والبغضاء، فعنفه الله بفعله ذلك وقبح له ما فعل ووبخه عليه، ووعظ أيضا أصحاب رسول الله (ص)، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف، وأمرهم بالاجتماع والائتلاف. ذكر الرواية بذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني الثقة، عن زيد بن أسلم، قال: مر شاس بن قيس، وكان شيخا قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله (ص) من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه. فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الاسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملا بني قيلة بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار فأمر فتى شابا من اليهود وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم وذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الاشعار. وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن