بما غل يوم القيامة) *... الآية، والتي بعدها، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: * (وما كان لنبي أن يغل) * لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله (ص) أن يتهموا رسول الله (ص) بالغلول، لعقب ذلك بالوعيد على التهمة، وسوء الظن برسول الله (ص)، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيان بين، أنه إنما عرف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم، لان ذلك جرم عظيم، والأنبياء لا تأتي مثله.
فإن قال قائل ممن قرأ ذلك كذلك: فأولى منه: وما كان لنبي أن يخونه أصحابه إن ذلك كما ذكرت، ولم يعقب الله قوله: * (وما كان لنبي أن يغل) * إلا بالوعيد على الغلول، ولكنه إنما وجب الحكم بالصحة لقراءة من قرأ: يغل بضم الياء وفتح الغين، لان معنى ذلك: وما كان للنبي أن يغله أصحابه، فيخونوه في الغنائم، قيل له: أفكان لهم أن يغلوا غير النبي (ص) فيخونوه، حتى خصوا بالنهي عن خيانة النبي (ص)، فإن قالوا: نعم، خرجوا من قول أهل الاسلام، لان الله لم يبح خيانة أحد في قول أحد من أهل الاسلام قط.
وإن قال قائل: لم يكن ذلك لهم في نبي ولا غيره؟ قيل: فما وجه خصوصهم إذا بالنهي عن خيانة النبي (ص) وغلوله وغلول بعض اليهود، بمنزلة فيما حرم الله على الغال من أموالهما، وما يلزم المؤتمن من أداء الأمانة إليهما. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن معنى ذلك هو ما قلنا من أن الله عز وجل نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة من صفات أنبيائه، ناهيا بذلك عباده عن الغلول، وآمرا لهم بالاستنان بمنهاج نبيهم، كما قال ابن عباس في الرواية التي ذكرناها من رواية عطية ثم عقب تعالى ذكره نهيهم عن الغلول بالوعيد عليه، فقال: * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) *... الآيتين معا.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) *.