" صفر " بدل شهر محرم في عام فيحرمونه، كما حدث لأحد زعماء قبيلة بني كنانة، إذ خطب في اجتماع كبير نسبيا في موسم الحج بمنى وقال: إنني أخرت المحرم هذا العام وانتخبت شهر صفر مكانه.
وقد روي عن ابن عباس: إن أول من سن هذه السنة هو عمرو بن لحي، وقال بعضهم: بل هو قلمس " من بني كنانة ".
وفلسفة هذا العمل " التأخير والنسئ " في عقيدتهم أن توالي ثلاثة أشهر حرم تباعا كذي القعدة وذي الحجة والمحرم يسبب إضعاف معنويات المحاربين، لأن عرب الجاهلية كانوا يتوقون إلى الإغارة وسفك الدماء والحرب، وأساسا فإن الحرب والإغارة وما شاكلهما كان يمثل جزءا من حياتهم، وكان من الصعب عليهم أن يتحملوا ثلاثة أشهر حرم (يتوقف فيها القتال) لذا فقد كانوا يسعون لفصل شهر المحرم عن هذه الأشهر (أو يؤخروه)!
كما يرد هذا الاحتمال أيضا، وهو أن ذا الحجة قد يقع في الصيف أحيانا، مما يسبب عليهم، حرجا في موضوع الحج، ونعرف أن الحج لم يكن مسألة عبادية عند العرب فحسب، بل كان موسما كبيرا منذ زمن إبراهيم الخليل (عليه السلام) يجتمع فيه خلق كبير، وتقام فيه الأسواق التجارية والاقتصادية والمحافل الشعرية والخطابية، ويفيدون منها فوائد عامة، لذلك كانوا يبدلون شهر ذي الحجة حسب ميولهم ويجعلون مكانه شهرا آخر طيب الأجواء لطيف الهواء.
وربما كانت كلا الغايتين صحيحتين.
وعلى كل حال، كان هذا العمل باعثا على إشعال نار الحرب أكثر فأكثر، وأن تسحق الغاية من الأشهر الحرم، وأن يتلاعب بمواسم الحج حسب الأهواء ابتغاء المنافع المادية.
وقد عد القرآن هذا العمل زيادة في الكفر، لأنهم إضافة إلى شركهم وكفرهم الاعتقادي فإنهم بسحقهم هذا الدستور كانوا يرتكبون كفرا عمليا، ولا سيما أنهم