المعنويات وإحباط المؤمنين أبدا. فقد كان الموسم موسم اقتطاف الثمار وجمع المحاصيل الزراعية، وكان هذا الموسم للمزارعين يعد فصلا مصيريا، إذ فيه رفاه سنتهم هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن بعد المسافة وحرارة الجو - كما أشرنا آنفا - كل ذلك كان من العوامل المثبطة للمسلمين في حركتهم نحو مواجهة الأعداء.
فنزل الوحي ليشد من أزر الناس، والآيات تترى الواحدة بعد الأخرى لإزالة الموانع والأسباب المثبطة.
ففي الآية الأولى - من الآيتين محل البحث - يدعو القرآن المسلمين إلى الجهاد بلسان الترغيب تارة وبالعتاب تارة أخرى وبالتهديد ثالثة فهو يدعوهم ويهيؤهم إلى الجهاد، ويدخل إليهم من كل باب.
إذ تقول الآية: يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض.
" اثاقلتم " فعل مشتق من الثقل، ومعناه واضح إذ هو خلاف " الخفيف " وجملة " اثاقلتم " كناية عن الرغبة في البقاء في الوطن وعدم التحرك نحو سوح الجهاد، أو الرغبة في عالم المادة واللصوق بزخارفها والانشداد نحو الدنيا، وعلى كل حال فالآية تخاطب من كان كذلك من المسلمين - ضعاف الإيمان - لا جميعهم، ولا المسلمين الصادقين وعاشقي الجهاد في سبيل الله.
ثم تقول الآية مخاطبة إياهم بلهجة الملامة: أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
فكيف يتسنى للإنسان العاقل أن يساوم مساومة الخسران، وكيف يعوض متاعا غاليا لا يزول بمتاع زائل لا يعد شيئا؟!
ثم تتجاوز الآية مرحلة الملامة والعتاب إلى لهجة أشد وأسلوب تهديدي جديد، فتقول: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما.