ومن أجل أن نفهم الآية فهما دقيقا ينبغي أن تتضح لنا كلمة " يثنون " بجلاء فهي من مادة " ثني " وهي في الأصل تعني ضم أقسام الشئ بعضها إلى بعض، فمثلا في طي قطعة القماش والثوب يقال " ثنى ثوبه " وإنما يقال للشخصين على سبيل المثال: اثنان، فلأجل أن انضم واحد إلى جانب الآخر، ويقال للمادحين " مثنون " كذلك، لأنهم يعدون الصفات البارزة واحدة بعد الأخرى.
وتعني الإنحناء أيضا، لأن الإنسان بعمله هذا وهو الإنحناء يقرب أجزاء من جسمه بعضها إلى بعض.
وتأتي هذه المادة بمعنى أن تجد العداوة والبغضاء والحقد طريقها إلى القلب أيضا.. لأن الإنسان بهذا العمل يقرب عداء الشخص - أو أي شئ آخر - إلى القلب، ومثل هذا التعبير موجود في الأدب العربي إذ يقال: " اثنوني صدره على البغضاء " (1).
ومع الأخذ بنظر الاعتبار بما ورد آنفا من معان لمادة " ثني " فلا يبعد أن تكون كلمة " يثنون " مشيرة إلى كل عمل خفي - ظاهري وباطني - قام به أعداء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن جهة يضمرون العداوة والبغضاء في القلوب ويبدون المحبة في لسان ذلق جميل! ومن جهة أخرى يقربون رؤوسهم بعضها إلى بعض عند التحدث، ويثنون الصدور ويستغشون الثياب، لئلا تنكشف مؤامراتهم وأقوالهم السيئة ويطلع أحد على نياتهم.
لذلك فإن القرآن يعقب مباشرة: أن أحذروهم، فإنهم حين يستخفون تحت ثيابهم فإن الله يعلم ما يخفون وما يعلنون.. إلا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور.
* * *