من الناس بدل أن يؤدوا شكر هذه النعمة، فإنهم يكفرون بها، ويحرمون أنفسهم من هذه النعمة بأحكامهم الخرافية وممنوعاتها.
وحتى لا يتصور أحد أن هذه المهلة الإلهية دليل على عدم إحاطة علم الله سبحانه بكل أعمال هؤلاء، فإن آخر آية من آيات البحث تبين هذه الحقيقة بأبلغ عبارة وتوضح أن الله مطلع على كل ذرات الموجودات في خفايا السماء والأرض، ومطلع على دقائق أعمال العباد، فتقول: وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه (1).
" الشهود " جمع شاهد، وهو في الأصل بمعنى الحضور المقترن بالمشاهدة بالعين أو القلب أو الفكر، والتعبير بالجمع إشارة إلى أن الله سبحانه ليس وحده المراقب لأعمال البشر، بل إن الملائكة المطيعين لأمره مطلعون أيضا على كل هذه الأعمال وناظرون إليها.
وكما أشرنا سابقا، فإن التعبير بصيغة الجمع في حق الله سبحانه مع أن ذاته المقدسة أوحدية من جميع الجهات، إشارة إلى عظمة مقامه، وأن له دائما مأمورين مطيعين مستعدين لتنفيذ أمره والواقع فإن الكلام ليس عن الله وحده، بل عنه وعن كل هؤلاء المأمورين المطيعين.
ثم تعقب الآية على مسألة اطلاع الله على كل شئ بتأكيد أكبر، فتقول: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
" يعزب " مأخوذة من العزوب، وهو في الأصل بمعنى الابتعاد عن البيت والأهل في سبيل إيجاد وتهيئة المراتع للأغنام والحيوانات، ثم استعملت بمعنى الغيبة والاختفاء بصورة مطلقة.