تتضمن جواب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهدة على هذا المطلب.
على كل حال، فإن هؤلاء أرادوا بهذه الكلمات أن يظهروا عدم اهتمامهم بتهديدات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة، وتقوية قلوب الذين خافوا من هذه التهديدات وتهدئة خواطرهم ليرجعوا إلى صفوفهم.
وفي مقابل هذا السؤال، فإن الله سبحانه أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجيبهم بعدة طرق:
فيقول أولا: قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله فإني لست إلا رسوله ونبيه، وإن تعيين موعد نزول العذاب بيده فقط، وإذا كنت لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا، فمن باب الأولى أن لا أملكهما لكم.
إن هذه الجملة في الحقيقة إشارة إلى توحيد الأفعال حيث يرتبط كل شئ في هذا العالم بالله سبحانه، وكل الحركات والافعال معلولة لإرادته ومشيئته، فهو الذي ينصر المؤمنين بحكمته، وهو الذي يجازي المنحرفين بعدالته.
من البديهي أن ذلك لا ينافي أن الله قد أعطانا قوى وطاقات نملك بواسطتها جلب النفع ودفع الضرر، ونستطيع أن نختار ما يتعلق بمصيرنا، وبتعبير آخر فإن هذه الآية تنفي الملكية بالذات لا بالغير، وجملة إلا ما شاء الله قرينة واضحة على هذا الموضوع.
ومن هنا يعلم أن استدلال بعض المتعصبين - ككاتب تفسير المنار - بهذه الآية على نفي جواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ضعيف جدا، لأنه إذا كان المقصود من التوسل أن نعتبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذا قدرة ذاتية ومالكا للنفع والضر، فإن هذا شرك قطعا، ولا يمكن أن يؤمن بهذا أي مسلم، أما إذا كانت هذه الملكية من الله سبحانه وهي داخلة تحت عنوان: إلا ما شاء الله، فما المانع من ذلك؟ وهذا هو عين الإيمان والتوحيد. إلا أنه نتيجة الغفلة عن هذه النكتة أتلف وقته ووقت قراء تفسيره بالبحوث الطويلة، وهو مع الأسف (رغم كل الامتيازات الموجودة في تفسيره) قد ارتكب كثيرا من هذه الأخطاء، والتي يمكن اعتبار التعصب منبعها جميعا!