فالآية هنا تلتفت نحو المسلمين فتخاطبهم بالقول: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله.
الطريف هنا أننا نواجه الأسلوب نفسه في القرآن على ما عهدناه في أمكنة أخرى من آياته، فالآية هنا لم تقل: إن الأحبار والرهبان جميعهم ليأكلون، بل قالت: إن كثيرا فهي تستثني الأقلية الصالحة منهم، وهذا النوع من الدقة ملحوظ في سائر آيات القرآن، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا.
لكن كيف يأكلون أموال الناس دون مسوغ أو مجوز، أو كما عبر القرآن " بالباطل " فقد أشرنا سابقا إلى ذلك في آيات أخرى كما ورد في التأريخ شئ منه أيضا، وذلك:
أولا:: إنهم كتموا حقائق التعاليم التي جاء بها موسى (عليه السلام) في توراته وعيسى (عليه السلام) في إنجيله، لئلا يميل الناس إلى الدين الجديد، " الدين الإسلامي " فتنقطع هداياهم وتغدو منافعهم في خطر، كما أشارت إلى ذلك الآيات (41) و (79) و (174) من سورة البقرة.
والثاني: إنهم بأخذهم " الرشوة " كانوا يقلبون الحق باطلا والباطل حقا، وكانوا يحكمون لصالح الأقوياء، كما أشارت إلى ذلك الآية (41) من سورة المائدة.
ومن أساليبهم غير المشروعة في أخذ المال هو ما يسمى ب " صكوك الغفران وبيع الجنة " فكانوا يتسلمون أموالا باهظة من الناس، ويبيعون الجنة ب " صكوك الغفران " والغفران ودخول الجنة منحصران بإرادة الله وأمره، وهذا الموضوع - أي صكوك الغفران - يضج به تأريخ المسيحية! كما أثار نقاشات وجدالا عندهم.
وأما صدهم عن سبيل الله فهو واضح، لأنهم كانوا يحرفون آيات الله، أو أنهم كانوا يكتمونها رعاية لمنافعهم الخاصة، بل كانوا يتهمون كل من يرونه مخالفا لمقامهم ومنافعهم، ويحاكمونه - في محاكم تدعى بمحاكم التفتيش الديني بأسوأ