كان من المحتمل جدا أن يستفيد المتخلفون من المشركين أو المنافقين - الذي امتنعوا بحجج مختلفة عن الاشتراك في الجهاد - من غيبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطويلة، ويجمعوا أفرادهم ويحملوا على المدينة ويقتلوا النساء والأطفال ويهدموا المدينة، إلا أن وجود علي (عليه السلام) كان سدا منيعا في وجه مؤامراتهم وخططهم.
وعلى كل حال، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما وصل إلى تبوك لم ير أثرا لجيوش الروم، وربما كان ذلك لأنهم سمعوا بخبر توجه هذا الجيش الإسلامي العظيم، وقد سمعوا من قبل بشجاعة واستبسال المسلمين العجيبة، وما أبدوه من بلاء حسن في الحروب، فرأوا أن الأصلح سحب قواتهم إلى داخل بلادهم، وليبينوا أن خبر تجمع جيش الروم على الحدود، ونيته بالقيام بهجوم على المدينة، شائعة لا أساس لها، لأنهم خافوا من التورط بمثل هذه الحرب الطاحنة دون مبررات منطقية، فخافوا من ذلك.
إلا أن حضور جنود الإسلام إلى ساحة تبوك بهذه السرعة قد أعطى لأعدائه عدة دروس:
أولا: إن هذا الموضوع أثبت أن المعنويات العالية والروح الجهادية لجنود الإسلام، كانت قوية إلى الدرجة التي لا يخافون معها من الاشتباك مع أقوى جيش في ذلك الزمان.
ثانيا: إن الكثير من القبائل وأمراء أطراف تبوك أتوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمضوا عهودا بعدم التعرض للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحاربته، وبذلك فقد اطمأن المسلمون من هذه الناحية، وأمنوا خطرهم.
ثالثا: إن إشعاع الإسلام وأمواجه قد نفذت إلى داخل حدود إمبراطورية الروم، ودوى صدى الإسلام في كل الأرجاء باعتباره أهم حوادث ذلك اليوم، وهذا قد هيأ الأرضية الجيدة لتوجه الروميين نحو الإسلام والإيمان به.
رابعا: إن المسلمين بقطعهم هذا الطريق، وتحملهم لهذه الصعاب، قد عبدوا