وقد ذكر هذا الموضوع كل المفسرين الإسلاميين، وكثير من كتب التاريخ والحديث، مع وجود اختلافات في جزئياته.
وخلاصة القضية - كما تستفاد من التفاسير والأحاديث المختلفة - أن جماعة من المنافقين أتوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبوا منه أن يسمح لهم ببناء مسجد في حي بني سليم - قرب مسجد قبا - حتى يصلي فيه العاجزون والمرضى والشيوخ، وكذلك ليصلي فيه جماعة من الناس الذين لا يستطيعون أن يحضروا مسجد قبا في الأيام الممطرة، ويؤدوا فرائضهم الإسلامية، وكان ذلك في الوقت الذي كان فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عازما على التوجه إلى تبوك.
فأذن لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أنهم لم يكتفوا بذلك، بل طلبوا منه أن يصلي فيه، فأخبرهم بأنه عازم على السفر الآن، وعند عودته بإذن الله فسوف يأتي مسجدهم ويصلي فيه.
فلما رجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تبوك حضروا عنده وطلبوا منه الحضور في مسجدهم والصلاة فيه، وأن يدعوا الله لهم بالبركة، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يدخل بعد أبواب المدينة، فنزل الوحي وتلا عليه هذه الآيات، وكشف الستار عن الأعمال هؤلاء، فأمر النبي بحرق المسجد المذكور، وبهدم بقاياه، وأن يجعل مكانه محلا لرمي القاذورات والأوساخ.
إذا نظرنا إلى الوجه الظاهري لهذا العمل، فسوف نتحير في البداية، فهل أن بناء مسجد لحماية المرضى والطاعنين في السنن من الظروف الطارئة، والذي هو في حقيقته عمل ديني وخدمة إنسانية، يعد عملا مضرا وسيئا حتى يصدر في حقه هذا الحكم؟ إلا أننا إذا دققنا النظر في الواقع الباطني وحققناه رأينا أن هذا الأمر بهدمه في منتهى الدقة.
وتوضيح ذلك، أن رجلا في زمن الجاهلية يقال له: أبو عامر، كان قد اعتنق النصرانية، وسلك مسلك الرهبانية، وكان يعد من الزهاد والعباد وله نفوذ واسع في