أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل، ألا ترون ان الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى آخرين من هذا العالم بأحجار ما تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما. ثم جعله بأوعر (1) بقاع الأرض حجرا وأقل نتائق الدنيا مدرا (2) وأضيق بطون الأودية معاشا، وأغلظ محال المسلمين مياها بين جبال خشنة ورمال دمثة (3) وقرى منقطعة واثر من مواضع قطر السماء داثر (4) ليس يزكو به خف ولا ظلف ولا حافر (5) ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه فصار مثابة لمنتجع أسفارهم وغاية لملقى رحالهم تهوى إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متصلة وجزائر بحار منقطعة ومهاوي فجاج عميقة حتى يهزوا مناكبهم ذللا لله حوله ويرملوا على أقدامهم شعثا غبرا له قد نبذوا القنع والسرابيل وراء ظهورهم وحسروا بالشعور حلقا عن رؤسهم (6) ابتلاءا عظيما واختبارا كبيرا وامتحانا شديدا وتمحيصا بليغا وقنوتا
(١٥١)