النجاسة تغليظ الحكم أو الوسط لأنه الأغلب ظاهر المصنف في النهاية الأول حيث قال ويعتبر ما هو الأحوط وفى الذكرى ينبغي فرض مخالف أشد اخذا بالاحتياط والثاني منسوب إلى بعض المتأخرين ويحتمل اعتبار الأقل تغليب لجانب الطهارة وقد مر ما يؤيده أيضا في باب المضاف واستقرب اعتبر بعضهم اعتبار أوصاف الماء وسطا نظرا إلى شدة اختلافها في قبول التغير وعدمه كالعذوبة والملوحة والرقة والغلظة والصفا والكدرة وهو مشكل إذا لم يكن الماء خارجا عن أوصافه الأصلية أو كان على الوصف القوى ولو اشتمل الماء على صفة يمنع من ظهور التغير فيه فالظاهر وجوب تقدير خلو الماء عن ذلك الوصف لتحقق التغير حقيقة غاية الأمر انه مستور عن الحس وقد نبه عليه الشهيد في البيان ولو شك في استناد التغير إلى النجاسة لم ينجس لقول الصادق عليه السلام كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قدر الثاني عدم نجاسة الجاري بدون التغير وأطلق المصنف هنا وفى باقي كتبه اعتبر الكثرة في هذا الحكم فبدونها ينجس بالملاقاة عنده والمشهور الأول نقل ابن زهرة اجماع الفرقة عليه ويظهر ذلك من كلام الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر أيضا وقال الشهيد في الذكرى انه لم نقف في ذلك على مخالف مما سلف واستقربه الشهيد الثاني لتصريح المصنف باعتبار الكرية وفيه ان الظاهر أن مراده بمن سلف من تقدم على المصنف لأنه قد نقل عن المصنف اعتبار ذلك بغير فصل والمشهور لا يخلو عن رجحان وتدل عليه العمومات الدالة على طهورية الماء الا ما خرج بالدليل كقول الصادق عليه السلام في صحيحة محمد بن حمران وجميل فان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وقوله عليه السلام في موثقة سماعة فان الله جعلهما طهورا الماء والصعيد والعمومات الدالة على جواز استعمال الماء بدون التغير كصحيحة حريز ورواية أبى خالد القماط وغيرهما خرج الواقف القليل فيبقى غيره داخلا في عموم الخبر واما الأخبار الدالة على انفعال القليل بالملاقاة فبعضها لا عموم فيها حتى يشمل محل النزاع كقوله عليه السلام إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شئ إذ العموم في مفهومه غير ثابت فيحمل على الامر المنفى وبعضها مختص بالأواني وأمثالها كما سيجيئ وبعضها المتبادر منها ذلك نعم روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهم السلام قال سألته عن الحمامة والدجاجة وأشباههن تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء وهذا بعمومه شامل المحل النزاع وهو معارض للاخبار السابقة ومخصص لها إما بالنسبة إلى ما يدل على طهارة الماء مطلقا فلكونه أخص منه مطلقا واما بالنسبة إلى ما يدل على عدم الانفعال بدون التغير فهو وإن كان أعم من وجه لكن تخصيصه به ينافي القول بانفعال القليل بالملاقات لكن لقائل أن يقول ليس المفرد المعرف باللام على حد الصيغ الموضوعة للعموم وانما يحمل على العموم من حيث إن إرادة البعض من غير مساعدة قرينة دالة عليه ترجيح من غير مرجح والاجمال ينافي الحكمة وهذا انما يتم إذا لم يكن للحمل على البعض مرجح وحينئذ نقول من الجائز ان لم يكن القليل من الجاري شائعا في بلد السائل والمسؤول عنه خصوصا في المواضع التي يتعارف ان تطأه الدجاجة والحمامة وأشباههن كالدور والمساكن وحمل المفرد المعرف باللام على الافراد الشائعة التي تتبادر إليه الأذهان غير بعيد فليحمل عليه صونا للاخبار الكثيرة المؤيدة بالشهرة المعتضدة بنقل الاجماع والمؤيدات الآتية الا بالقدر المتحقق واما المؤيدات فمنها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له مادة وهذا الخبر قد جعله غير واحد من الأصحاب من جملة الأدلة ولى فيه تأمل لان التحقيق في العلة المنصوصة ان الحكم يتعدى إلى كل موضع يوجد فيه العلة إذا شهدن الحال والقرائن على أن خصوص متعلقها الأول لا مدخل له في الحكم لا مطلقا واثبات الشهادة المذكورة هيهنا لا يخلو عن اشكال وما قيل من أن خصوصيته البئر لا يصلح للتعليل وشهادة الحال بذلك ظاهرة لمن أحاط خبرا باحكام البئر وحينئذ ينحصر المقتضى لنفى الانفعال في وجود المادة وهي موجودة في مطلق النابع فاتمامه على وجه يطمئن القلب مشكل على أن قوله عليه السلام لان له مادة يجوز ان يكون تعليلا لقوله فينزح حتى يذهب الريح وحينئذ لا يتم الاستدلال ومنها صحيحة محمد بن إسماعيل قال سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله انى ادخل الحمام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك فأقوم واغتسل فينضح على بعد ما افرغ من مائهم قال أليس هو جار قلت بلى قال لا باس ومنها صحيحة داود بن سرحان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في ماء الحمام قال هو بمنزلة الجاري واستدل عليه أيضا بوجوه الأول أصالة الطهارة فان الأشياء كلها على الطهارة الا ما نص الشارح على نجاسته لأنها مخلوقة لمنافع العباد ولا يتم النفع الا بها والحق ان اثبات أصالة الطهارة بالدليل العقلي متعذر أو متعسر وما ذكره في بيانه ضعيف لحصول المنافع بالنجس أيضا الثاني قول الصادق عليه السلام في ما روى عنه بطرق متعددة كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قدر وفيه نظر لأن الظاهر المعلوم القدر من الخبر ان الماء على الطهارة إذا شك في عروض النجاسة له لا إذا شك في كون الشئ سببا للنجاسة شرعا أم لا فان الحمل على أن الجهل بالحكم الشرعي موجب للطهارة بعيد غير مانوس بل الأقرب ان يكون المراد ان كل ماء طاهر حتى يعلم أنه بعض الأشياء المتصفة بالنجاسة لا ان كل ماء طاهر حتى يعلم اتصافه بالنجاسة وبين المعنيين فرق وقد وقع نظير ذلك مفسرا في كلام الصادق عليه السلام فروى مسعدة بن صدقة عنه عليه السلام قال سمعته يقول كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهرا أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة الثالث صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس ان يبول الرجل في الماء الجاري وفيه ضعف الرابع الاجماع الذي يظهر من كلام المعتبر مؤيدا بكلام الشهيد في الذكرى واثباته مشكل احتج المصنف بقوله عليه السلام في صحيحة معوية ابن عمار ومحمد بن مسلم إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ والجواب انه لا عموم لمفهومه فيحمل على القدر المتيقن ابقاء للمنطوق المعتضد بالشهرة والامارات على عمومه الا فيما اقتضاه الدليل واعلم أن الشهيد في الدروس اشترط دوام النبع في عدم انفعال القليل من الجاري بالملاقاة وتبعه بعض المتأخرين وهذا الشرط لا يخلو عن اجمال ونقل عن المتأخرين في تفسيره وجهان الأول ان المراد بالدوام عدم الانقطاع في أثناء الزمان ككثير من المياه التي يخرج في زمان الشتاء وينقطع في الصيف واعترض عليه بان هذا المعنى وإن كان له قرب بالنظر إلى ظاهر اللفظ لكنه مستبعد في نفسه جدا لأنه لا شاهد له من الاخبار ولا يساعد عليه الاعتبار فهو تخصيص لعموم الدليل بمجرد التشهي وذكر الفاضل الشيخ على أن أكثر المتأخرين عن الشهيد رحمه الله ممن لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه وهو منزه عن أن يذهب إلى مثله فإنه تقييد لاطلاق النص بمجرد الاستحسان وهو أفحش اغلاط الفقهاء وبالغ في توجيه فساده حتى قال إنه ليس محط نظر فقيه فيحتاج إلى الكلام عليه والاعتناء برده الثاني ما فهمه الفاضل الشيخ على وجعله الظاهر وهو ان المراد بدوام النبع استمراره حال الملاقاة واستحسنه بعض المتأخرين وقال في تقريبه ما ملخصه ان مناط الحكم لعدم انفعال القليل من الجاري بالملاقاة وجود المادة وهو متخلف في مثل القليل الذي يخرج بطريق الترشح إذ ليس له فيما بين زماني الترشح مادة فيحصل الشك عند الملاقاة فيلزم الحكم بالانفعال عملا بالعموم الدال عليه السالم عن معارضة وجود المادة والشرط المذكور لاخراج ذلك ولولاه لكان داخلا لصدق النبع عليه ثم اورد ان ما هذا شانه ربما حصل له في بعض الأوقات قوة بحيث يظهر وجود المادة فيلزم عدم الانفعال حينئذ مع أن ظاهر الشرط يقتضى نجاسة ثم قال ويمكن ان يقال الشرط منزل على الغالب من عدم العلم بوجود المادة في مثله وقت الملاقاة ويكون حكم ذلك الفرض النادر محالا على الاعتبار وهو شاهد بمساواته للمستمر ولا يخفى عليك ان التقريب الذي ذكره محل التأمل لان الأدلة الدالة على انفعال القليل بالملاقاة لا عموم له بحيث يشمل ما نحن فيه على أن انفعال القليل في النبع لا يقدح في صدق المادة عرفا ويمكن التوجيه بان المراد بدوام النبع ما يحترز به عما كان له نبع ثم انقطع بحيث لا يصدق عليه الجاري والنابع عرفا فإذا لاقاه حينئذ نجس وحينئذ يتم الاشتراط لكنه مع كونه خلاف ظاهر العبارة لا يزيد على اشتراط النبع فتدبر فان تغير بخس المتغير خاصة هذا الحكم يختلف باختلاف الماء بحسب القلة والكثرة والاستواء وعدمه واستيعاب النجاسة عمود الماء وعدمه وتمام الكلام فيه يحتاج إلى تمهيد بحث هو
(١١٧)