ليتأهبوا أهبة عدوهم، فتجهز رسول الله (ص) وتجهز الناس معه، وطفقت أغدو لأتجهز فأرجع ولم أقض شيئا، حتى فرغ الناس وقيل: إن رسول الله (ص) غاد وخارج إلى وجهه، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم أدركهم، وعندي راحلتان، ما اجتمعت عندي راحلتان قط قبلهما، فأنا قادر، في نفسي قوي بعدتي، فما زلت أغدو بعده وأرجع ولم أقض شيئا حتى أمعن القوم وأسرعوا، وطفقت أغدو للحديث، وشغلني الرحال، فأجمعت القعود حتى سبقني القوم، وطفقت أغدو فلا أرى [إلاسى]، لا أرى إلا رجلا ممن عذر الله أو رجلا مغموصا عليه في النفاق، فيحزنني ذلك، فطفقت أعد العذر لرسول الله (ص) إذا جاء وأهيء الكلام، وقدر رسول الله (ص) أن لا يذكرني حتى نزل تبوك، فقال في الناس بتبوك وهو جالس: (ما فعل كعب بن مالك؟) فقام إليه رجل من قومي فقال:
شغله برداه والنظر في عطفيه، قال: فتكلم رجل آخر فقال: والله يا رسول الله! إن علمنا عليه إلا خيرا، فصمت رسول الله (ص)، فلما قيل: إن رسول الله (ص) قد أظل قادما زاح عني الباطل وما كنت أجمع من الكذب والعذر، وعرفت أنه لن ينجيني منه إلا الصدق، فأجمعت صدقه، وصبح رسول الله (ص) المدينة فقدم، فغدوت إليه فإذا هو في الناس جالس في المسجد وكان إذا قدم من سفر دخل المسجد فركع فيه ركعتين، ثم دخل على أهله فوجدته جالسا في المسجد فلما نظر إلي دعاني فقال: (هلم يا كعب ما خلفك عني؟ وتبسم تبسم المغضب قال: قلت: يا رسول الله! لا عذر لي، ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، وقد جاءه المتخلفون يحلفون فيقبل منهم ويستغفر لهم ويكل سرائرهم في ذلك إلى الله عز وجل، فلما صدقته قال: أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك ما هو قاض)، فقمت فقام إلى رجال من بني سلمة فقالوا: والله ما صنعت شيئا، والله إن كان لكافيك من ذنبك الذي أذنبت استغفار رسول الله (ص) لك كما صنع ذلك لغيرك، فقد قبل منهم عذرهم واستغفر لهم، فما زالوا يلومونني حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل قال هذه المقالة أحد أو اعتذر بمثل ما اعتذرت به؟ قالوا: نعم، قلت: من؟ قالوا: هلال بن أمية الواقفي وسرارة بن ربيعة العامري، وذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا قد اعتذرا بمثل الذي اعتذرت به، وقيل لهما مثل الذي قيل لي، قال: ونهى رسول الله (ص) عن كلامنا فطفقنا نغدو في الناس، لا يكلمنا أحد ولا يسلم علينا أحد ولا يرد علينا سلاما، حتى إذا مضت أربعون